دارفور ..بين البداوة الجاهلة والحضارة السارقة _الحلقة 5 _

Posted 12:11 ص by ali-aljassim in


يرى الإمام الرازي في قول الحق : "{ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أوجهاً ثلاثة: الأول: جعلكم عمارها، قالوا: كان ملوك فارس قد أكثروا في حفر الأنهار وغرس الأشجار، لا جرم حصلت لهم الأعمار الطويلة فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه، ما سبب تلك الأعمار؟ فأوحى الله تعالى إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي، ..الثاني: أنه تعالى أطال أعماركم فيها واشتقاق { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ } من العمر مثل استبقاكم من البقاء. والثالث: أنه مأخوذ من العمري، أي جعلها لكم طول أعماركم فإذا متم انتقلت إلى غيركم" (1). واستعمار الأرض لا يتم إلا بمنهج الإيمان بالله عزوجل والاستقامة عليه بدوام بالعمل الصالح { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }
(العصر :1_3) "فالاستقامة على المنهج الذي يريده الله. لا يكون فلته عارضة، ولا نزوة طارئة، ولا حادثة منقطعة. إنما ينبعث عن دوافع، ويتجه إلى هدف، ويتعاون عليه الأفراد المرتبطون في الله، فتقوم الجماعة المسلمة ذات الهدف الواحد الواضح.. التي تشعر بكيانها كما تشعر بواجبها. والتي تعرف حقيقة ما هي مقدمة عليه من الإيمان والعمل الصالح، الذي يشمل فيما يشمل قيادة البشرية في طريق الإيمان والعمل الصالح؛ فتتواصى فيما بينها بما يعينها على النهوض بالأمانة الكبرى... لأن حركة أي جماعة بشرية في التاريخ ليست اعتباطية وأنها بما قد ركب فيها من قوى العقل والروح والإرادة _ خلافا لما هو سائد في العوالم غير البشرية _ مسئولية مسئولية كاملة خلال حركتها , حيث ينتفي العبث واللاجدوى ، وحيث تتحرك الحرية من شكلها المشوش المتميع الغامض ، إلي عمل مدرك مخطط يقف به الإنسان أمام الله بمسئوليته تجاه العالم لكي يحقق اعماره ورقيه وتقدمه وفق ما جاء به أنبياء الله ، حينا بعد حين ، من تعاليم وخطط تأخذ بيد الجماعة البشرية في هذا الطريق"(2) وهذا ما جاهد به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الأخيار في سنوات دعوته التي جاءت "بمثابة تحولات جذرية علي أرض الواقع كان لها أبلغ الأثر في توفير البيئة المناسبة للنشوء الحضاري ومن أبرز هذه التحولات :
أولا: التوحيد في مواجهة الشرك والتعدد .
ثانيا: الوحدة في مواجهة التجزؤ .
ثالثا : الدولة في مواجهة القبيلة .
رابعاً: التشريع في مواجهة العرف .
خامساً: المؤسسة في مواجهة التقاليد .
سادساً: الأمة في مواجهة العشيرة .
سابعاً: الإصلاح والاعمار في مواجهة التخريب والإفساد .
ثامناً : المنهج في مواجهة الفوضى والخرافة والظن والهوى .
تاسعاً : المعرفة في مواجهة الجهل والأمية .
عاشراً: الإنسان المسلم الجديد الملتزم بمنظومة القيم الخلقية والسلوكية المتجذرة في العقيدة في مواجهة " الجاهلي" المتمرس علي الفوضى والتسيب وتجاوز الضوابط والكراهية.(3)
" ولذلك فإن عمارة الأرض ـ أي التنمية بالمصطلح الحــديث ـ ليست عملاً دنيويًا محضًا، بل هي عمل تعبدي فيه طاعة لله عز وجل".(4) باعتبار أن الأساس الحضاري لمنهج الاستخلاف الرباني واجب الامتثال له بما يحقق للناس العيش الآمن المشترك ..," يستوعب كل ما يؤدي إلى الحياة الطيبة للإنسان الذي كرمه الله تعالى، وجعله خليفته في الأرض، وأمره بإصلاحها ونهاه عن السعي فيها بالفساد والخراب والدمار وإهلاك الحرث والنسل." (5) { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران الآية 110)

المصادر :
(1) فخر الدين ,محمد الرازي , التفسير الكبير ومفاتيح الغيب , (ت 606 هـ)
(2) خليل ,عماد الدين , مدخل الى الحضارة الاسلامية ,الدار العربية للعلوم , سبتمبر 2005,ص31
(3) خليل ,عماد الدين , مدخل الى الحضارة الاسلامية ,الدار العربية للعلوم , سبتمبر 2005,ص55
(4) البشير, د. توفيق الطيب , التنمية الاقتصادية في الإسلام.. شمولية وتوازن
http://www.kantakji.org/fiqh/Files/Economics/full_article.cfm.htm (تم الاطلاع عليه ديسمبر 2007)
(5) البشير, د. توفيق الطيب , التنمية الاقتصادية في الإسلام.. شمولية وتوازن
http://www.kantakji.org/fiqh/Files/Economics/full_article.cfm.htm (تم الاطلاع عليه ديسمبر 2007)


0 comment(s) to... “دارفور ..بين البداوة الجاهلة والحضارة السارقة _الحلقة 5 _”

0 التعليقات:

إرسال تعليق