رحلة الى مآذن تونس

Posted 1:09 م by ali-aljassim in


تعتبر مئذنة جامع عقبة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في أفريقيا. وتعد جميع المآذن التي بنيت بعدها في بلاد المغرب العربي على شاكلتها ولا تختلف عنها إلا قليلا، ومن المآذن التي تشبهها مئذنة جامع صفاقس، ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين، هذا غير بعض مآذن مساجد الشرق كمئذنة مسجد الجيوشي في مصر.
تتكون المئذنة من ثلاث طبقات كلها مربعة الشكل، والطبقة الثانية أصغر من الأولى، والثالثة أصغر من الثانية، وفوق الطبقات الثلاث قبة مفصصة. ويصل ارتفاعها إلى 31.5 متراً.
تقع المئذنة في الحائط المواجه لجدار القبلة في أقصى الصحن المكشوف، وضلع طبقتها الأولى المربعة من أسفل يزيد على 5.10 أمتار مع ارتفاع يضاهي 19 مترا، وتم بناء الأمتار الثلاثة والنصف الأولى منه بقطع حجرية مصقولة، بينما شيدت بقيتها بقطع حجرية مستطيلة الشكل كقوالب الآجر.
والطابق الثاني من المئذنة مزين بطاقات ثلاث مغلقة ومعقودة في كل وجه من أوجه المنارة، في حين زين كل وجه من أوجه الطابق الثالث بنافذة حولها طاقتان مغلقتان، ويوجد في أعلى الجدار الأعلى من كل طابق شرفات على هيئة عقود متصلة ومفرغة وسطها.
يدور بداخل المئذنة درج ضيق يرتفع كلما ارتفع المبنى متناسبا مع حجمه حيث يضيق كلما ارتفع لأعلى. ويعتقد أن هذه المنارة لم تبن دفعة واحدة، فالجزء الأول الأضخم منها بني في عهد الخليفة الأموي
هشام بن عبدالملك أيام واليه على القيروان بشر بن صفوان، ثم أكملت عملية البناء بعد مدة طويلة حيث بني الجزءان الثاني والثالث فوق تلك القاعدة الضخمة.
تجولت بالمسجد وحيدا دون دليل سياحي يرشدني إلى معالمه فاستغربت الأمر كثيرا , ذهبت بعدها فتوضأت ثم صليت تحية المسجد وتأملت كثيرا المنبر الخشبي الذي أقيم سنة 248هـ والذي اعتبرته دراسة اليونسكو من أقدم المنابر الإسلامية التي سلمت من تقلب الأزمان وهو مصنوع من خشب الساج ويشتمل على ما يربو على 300 لوحة تحمل زخارف نباتية وهندسية بديعة وتعبر عن تمازج التأثيرات البيزنطية والإيرانية وتوحدها في روح إسلامية.
غادرت المسجد إلى بيوت المدينة المجاورة للمسجد ماشيا بين أزقتها وانأ متعجب أمر عمارتها الذي لا يختلف عما تختزنه الذاكرة, وفي الطريق استوقفني سلام رجل واقف أمام بيته مرحبا بي وسألني من أي البلاد أنا فأجبته من الكويت فقال :ماترى في بيوت القيروان؟ فقلت إنها مثل بيوت الخليج لا تختلف في عمارتها ولا شكلها فابتسم قائلا: يا أخي إن من أقامها هم أجدادنا العرب الذين جاؤوا من الجزيرة العربية بصحبة القائد عقبة بن نافع فتوارثناها أبا عن جد ونحن فخورون بشكلها وألوانها.
لم أمل من التجوال والتقاط الصور حتى ناداني السائق محمد باستعجال الأمر فنحن ما زلنا بأول المدينة المعروفة بأسواقها وأسوارها وصناعتها التقليدية وسجادها القيرواني , واصطحبني معه بجولة داخل السوق والمساجد والبيوت والبوابات , انتهى الوقت ونحن لم ننته من قيروان القديمة لتنطلق السيارة مسرعة إلى حيث ما طلبته ضمن رحلتي وهو زيارة مدينة سوسة التي تقع في الوسط الشرقي للبلاد التونسية. حيث تعرف بـ"جوهرة الساحل".
والتي أسسها الفينيقيون في الألف الأولى قبل الميلاد وتغير اسمها مرات فقد أطلق عليها الفينيقيون اسم حضرموت لما لاحظوا التشابه بين سواحلها وسواحل منطقة حضرموت الموجودة في اليمن والتي ما زالت تحمل هذا الاسم إلى الآن. وسميت جوستينا وهو اسم الإمبراطور البيزنطي الذي احتلها.
وسماها المسلمون بعد ذلك سوسة ,وقد اهتم بأمرها أمراء الاغالبة فبنوا المساجد ودور العلم التي يفد إليها الطلاب من كافة بلاد
المغرب والأندلس. وانتشرت بها الرباطات وهي عبارة عن أماكن للعبادة ومراقبة السواحل خوفا من إغارة البيزنطيين على السواحل الإسلامية. وكانت الرباطات تعج بالعلماء والعباد من الرجال الذين يداومون على قراءة القرآن والحديث النبوي ويكثرون من التنفل ويضيفون إلى ذلك مراقبة الشواطئ ليلا نهارا.
وصلت إلى سوسة بعد أن بلغ مني تعب السفر أمره والجوع مهلكه فطلبت من السائق أن نأكل" الكوسكسيه" فقال أمرها سهل في السوق القديم حيث اعرف مطعما يقصده المواطنون والسياح لطيب أكله فذهبنا إليه على عجل فجلسنا في المطعم التي سبقت رائحة طبخه منظره فجلسنا على كراسيه الخشبية ننتظر وننظر بصمت إلى بساطة المطعم العتيق وأكلنا ما لذ وطاب وشبعنا بحمد لله, لأنطلق بمزاج تعكر صفوه حين انطفأت الكاميرا دون سابق إنذار أو تنبيه للبطارية الفارغة, تجولت في الحواري والازقه أرقب أسوار سوسة القديمة واتامل من خلالها منظر السائق محمد الذي جلس بالقرب على الشاطئ متأملا بسيجارته ..فدنوت منه وسألته : كم من الوقت بقى ؟؟ قال : قليل فلنبكر العودة قبل المغيب ,فأجبته : أنت مثلي تحب البكور بكل شيء قال : نعم إلا أنني سبقتك بأمر زواجي وعمري بسن العشرين وأنت بالأربعين من عمرك ما زلت عزبا ؟؟ تنهدت وقلت : حسبي الله على زليخة , حسبي الله على زليخة ؟؟ نظر إلي السائق ولم يعلق.


0 comment(s) to... “رحلة الى مآذن تونس”

0 التعليقات:

إرسال تعليق