عرفت الكويت منذ نشأتها كميناء حيوي في الخليج العربي حيث يربط موقعها الجغرافي بين الشرق الهندي والغرب العربي وبين الجنوب الأفريقي والشمال التركي الأوروبي، فكانت نقطة التقاء بين الجهات الأربع ومعبرا آمنا لمن أراد أن يسلكه، وما دلت عليه آثار الاسكندر الأكبر في جزيرة فيلكا تؤكد على صدق ذلك القول حين اتخذها ومن جاء من بعده محطة للحل والترحال، الأمر الذي سوق للكويت يوما وقسرا في عهد الشيخ مبارك الكبير فكرة إقامة خط سكة حديد ممتد من برلين الألمانية مروراً بأنقرة التركية وانتهاءً بكاظمة الكويتية.فكان لهذا الميناء ثمن بقاء، استطاع ربابنة الكويت أن يتجنبوا ببراعة صراع الدول الطامعة وأن يبحروا بسفنهم التجارية إلى بر الأمان، إلا أن أمر الأطماع زاد وتفجر بتفجر النفط في أربعينيات القرن الماضي وترسمت في المنطقة دول مستقلة عن الاستعمار الأجنبي، ليدرك أهل الكويت أن كيانهم الصغير معرض للتهديد والابتزاز أكثر من كونهم ميناءا تجاريا يطل على المياه الدافئة في الخليج العربي.فكان لابد من تبني استراتيجية واضحة تدرأ المفاسد وتجلب المصالح للحفاظ على مكنون الثروة الكبيرة، فتجلت للقيادة السياسية بعيد الاستقلال في زمن المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية كرديف داعم وأداة من أدوات الدبلوماسية الكويتية التي تعتبر خط الدفاع الأول عن دولة الكويت بعد تهديدات قاسم العراق، فكان محور الاقتصاد الكويتي هو عنوان السيادة والسياسة التي لا تعرف في بحرها المتلاطم إلا المصالح المشتركة.واليوم تشير مؤشرات غلوبل وغيرها، إلى فترة انتعاش اقتصادي لم تشهدها الكويت منذ فترة طويلة، فهناك رصد في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وفوائض مالية كبيرة في الميزانية، الأمر الذي جعل رجل الاقتصاد والسياسة الدكتور محمد الصباح متحفزاً إلى تبني مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية والهادف إلى عودة الكويت إلى دورها التاريخي كمركز تجاري مهم في المنطقة، وذلك عن طريق توطين المدخرات الوطنية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، فالكويت قد استنزفت كثيراً كما يرى الدكتور محمد في تبني السياسة الوقائية التي كانت سائرة عليها في السابق نتيجة المخاطر التي يمثلها نظام صدام حسين على الكويت، وهو أمر أنهك اقتصاد المنطقة ككل.الشيخ محمد يدرك عن عمق أثر الحرب على الاقتصاد وأثر الاقتصاد على الحرب فقد عاين ذلك بأم عينه حينما شهد أثناء دراسته في أميركا تأثر العالم بالأزمة الاقتصادية التي سببها قطع النفط العربي عن الغرب المساند للكيان الإسرائيلي في حرب 1973م فتساءل يومها عن قيمة الاقتصاد ودوره في الحياة، فقرر أن ينهي دراسة علم فيزياء الفضاء، ويتحول برغبة إلى دراسة الاقتصاد في كلية كليرمونت في كاليفورنيا ليكمل الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد الدولي من جامعة هارفارد متفرغا بعد ذلك بحب في قسم الاقتصاد في جامعة الكويت فاستطاع من خلال عمله الأكاديمي أن ينجز شيئاً بتوسع آفاقه وآفاق من معه لأنه كما يقول كان يتعامل مع عقول جديدة متفتحة.وبعد كارثة الغزو العراقي اختارته القيادة السياسية الكويتية ليكون سفيرها في الولايات المتحدة الأميركية ليكون قريباً من القيادة الأميركية الجديدة في عهد الرئيس بيل كلينتون وخاصة الإدارة الاقتصادية لمعرفته السابقة بهم، ليتولى بجدارة العام 2001م ملف وزارة الخارجية ويصدر أمر لا رجعة فيه بإنشاء الإدارة الاقتصادية في الوزارة وحينما سئل عن ذلك أجاب »أنه لا يمكن معرفة أي مجتمع إلا بمعرفة المكنون الاقتصادي له وإن تحسين العلاقات –مع الاخرين- رابطه مادي بشكل أساسي.أشيد بأسلوبه في الإدارة ونظرت إليه الأوساط وخاصة الفرنسية على أنه دبلوماسي متواضع يحسن الاستماع والتحليل والمخاطبة، وهو من الواعين أن العصر تغير وإن اللغة التي تستخدم اليوم بحاجة إلى علم وواقعية وليست فقط عواطف وشعارات.
0 comment(s) to... “الشيـخ د. محـمـد الصبـاح ... صاحب الدبلوماسية الاقـتصاديـة”
0 التعليقات:
إرسال تعليق