دارفور ..بين البداوة الجاهلة والحضارة السارقة _الحلقة 9 _

Posted 12:29 ص by ali-aljassim in


أدرك أهل الفقه المستنير إن العلم النافع أساس العمل الصالح وأمره لا يتم إلا بدائرة الإيمان بالله وبحقيقة منهج التعبد له , فالإيمان هو " الإرادة التي ترفع الإنسان عن العبودية لسواه، ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد، فلا يذل لأحد، ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار.. " والعمل الصالح "هو الثمرة الطبيعية للإيمان، ... فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة. ما أن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح.. إنه حركة عمل وبناء وتعمير.. يتجه إلى الله.. وليس انكماشاً وسلبية وانزواء في مكنونات الضمير. وليس مجرد النوايا الطيبة التي لا تتمثل في حركة وهذه طبيعة الإسلام البارزة التي تجعل منه قوة بناء كبرى في صميم الحياة".(1)
وكان خير من جسد ذلك المنهج القويم أنبياء الله ورسله الصالحين , فيوسف عليه السلام جهر بإيمانه الكبير بالله عزوجل في عقر دار الكفر بقوله : {
إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } ( يوسف :37) وأدرك قيمة عمله الصالح بعد أن مكنه الله من العلم النافع بقوله :{ قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } (يوسف :55)", ليكتب الله على يديه إستراتيجية النجاة من السنوات العجاف :: { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ }
يوسف واقع لقصة من أحسن القصص التي صورت جهل البداوة بقيمة الأشياء حين رمى أبناء يعقوب عليه السلام أخوهم يوسف الصغير في غيابت الجب ؟؟ فالتفتوا بجهالة إلى بداوتهم وعصبيتهم الخاسرة : {
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } (يوسف :8-10)
فيكتب الله أمره حين التقطت يد الوارد أو رسول الحضارة السارقة من سجدت له الكواكب والشمس والقمر , {
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } (يوسف :19-20) أخذ ( يوسف ) بمنهج الاستنفاع بعد أن زهد فيه أهله { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } (يوسف :20) , لينتهي الكريم ابن الكريم ابن الكريم عبدا يباع ويشترى , { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } (يوسف :21) ليحيك الزمن شغف زليخة سيدة القصر { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } (يوسف :23) , حين أرادت بمكر خيوطها العاتكة , أن تسرق شبابه وتضيع فرح عمره, فتغلق أبواب النجاة أمامه لتطارده بمطارق الليل أينما حل ورحل لتفرض بعد فشل استمالة قلبه إلى فرض واقع الفسق والاقتران الغاصب أمام زوجها وأهلها, الذين أدركوا كيدها بشهادة قميصه ,ليسود وجهها أمام نسوة المدينة { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } (يوسف :30) فتكشف ابنة التحضر الكاذب عن وجها القبيح لتقر مبادئ استعبادها { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ * وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } (يوسف :32) ,لقد حان دفع فاتورة " إكرام المثوى " لتحاك المؤامرة بأمر زليخة لسيدها قطفار الذي ارتضى أن يكون عبدا في ظلها الآسن, فيورط "يوسف" بصراع الأرباب المتفرقة فيجند قسرا بالأدوات الغليظة مع الملأ المتآمر في سرقة أقوات الناس والظفر بملك الملك الذي استبصر يوما حلم السنوات العجاف { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } (يوسف : 43) عجز الملأ أن يفسر حلم الملك ,وضللوه بقولهم { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } (يوسف :44) ليتدارك ساقي الملك صاحبه في السجن { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } (يوسف:46) لم يبخل الكريم بعلمه أن يفسر حلما للملك, الذي شهد صدقه وبراءته فيمكنه بعد ضياع سنوات عمره بالآيات الكاذبات خليصا ووزيرا : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } (يوسف: ٥٤)
كاد أن يهلك يوسف .. بين جهالة "المرتع" وحضارة "المتكأ" لولا رحمة الله له التي أنقذته من غيابت الجب وظلمة السجن, ليخرج البشرية جمعاء من سنوات القحط والمجاعة.. ,,وما كان امره ان يتم لولا ايمانه الكبير الذي حصن تقواه وارشد علمه النافع الذي استبصر حكمة الأشياء دون أعين الناس جميعا فحفظ ثروة البلاد من جشع الملأ المتآمر واكتنازه فكان وبعمله الصالح طوق النجاة للعالمين , يحفظ متاعا ويزيد كيلا لمن باعوه يوما ؟؟ فيبعث بقميصه الذي مزقته الأيام إلى أبيه لتكتحل عيناه برؤيته ويخرج أهله جميعا من حياة البداوة إلى أبواب التمدن والتحضر ليسأل الله بعد ذلك أن يلحقه بالصالحين , بسم الله الرحمن الرحيم : { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ* وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } ( يوسف :99_101)

المصادر:
(1) قطب ,سيد ,"في ظلال القران "


0 comment(s) to... “دارفور ..بين البداوة الجاهلة والحضارة السارقة _الحلقة 9 _”

0 التعليقات:

إرسال تعليق