د. أحمد كمال أبوالمجد..صاحب المهمة النبيلة

Posted 3:45 ص by ali-aljassim in


بعد الحادي عشر من سبتمبر 2000 برزت دعوات صريحة إلى ما يسمى بـ«حوار الحضارات»، وذلك رداً على حالة اللاوعي التي أصابت عدداً من الساسة الغربيين حين ردوا بسهامهم وحرابهم وحروبهم على الإسلام كحضارة قائمة، فألهبوا بذلك المشاعر الغربية المتأججة حين دعوا إلى إقامة تحالف صليبي للقضاء على بؤر الإرهاب الإسلامي، كما نادى بذلك صراحة الرئيس الأمريكي بوش، في حين تحدث مناصره الأول في التحالف رئيس الوزراء الإيطالي برليسكوني عن مسؤولية الغرب في تحضير المسلمين المتخلفين...! وهي دعوة مشابهة لما طرح في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي بررت الاستعمار الغربي لديار المسلمين.
هذا ما صدر من أفواه أصحاب السياسة والكياسة... فماذا قال أفراد النخب الثقافية الأوروبية الغربية، الذين تباينت آراؤهم تجاه الإسلام كدين وحضارة، فمنهم من أيد الساسة في حروبهم الهوليوودية التي دارت في أفغانستان والعراق، مؤيدين إلى ما ذهب إليه صموئيل هانتنغتون عندما تحدث في كتابه عن «صراع الحضارات» بافتراض أن العدو الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة بين الشرق الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق والغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة هو الحضارات الشرقية خاصة الإسلامية والصينية، وذلك لاعتبارات تاريخية وعقائدية وسياسية وثقافية.
ومنهم من استنكر هذا الطرح وحالة اللاوعي التي انساقت وراء طبول الحرب المقروعة أصلاً، باعتبار الإسلام تراثاً روحياً عظيماً وأن الهوة بين الإسلام والغرب ليست سحيقة إلى درجة التوهم وأن أطروحة صراع أو صدام الحضارات كما يراها الدكتور ايكيهارد شولتس أستاذ الدراسات العربية في جامعة لايبزج الألمانية تنطلق من طرف واحد وهو أن الحضارة الغربية تسعى لفرض نفسها بصفتها الحضارة البديلة أو المختارة أو الأرقى التي ينبغي فرضها على الشعوب الأخرى. ويضيف د. إيكيهارد: «إن انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية قد حفز الغرب إلى البحث عن عدو جديد يتناسب مع مقاييسه ومواصفاته، وإذا ما نظرنا إلى الخريطة السياسية للعالم العربي والإسلامي لأدركنا مدى المشاكل التي تعاني منها هذه الدول وبالتالي تنامي الحركات الإسلامية الباحثة عن بديل نتيجة خيبة أمل شعوب هذه الدول ويأسها من الأنظمة القائمة في تحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والديمقراطية».
وهذا ما أكده صديقه المسلم في المشرق العربي الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الذي رأى أن الأمة (الإسلامية) على مفترق طرق... في ظاهرة العنف التي تعددت أشكاله وأسبابه، فمن عنف تشتبك فيه فصائل وأحزاب متناحرة على نحو ما جرى في الصومال وأفغانستان ومنه عنف يتخذ شكل مواجهات حادة بين بعض الحكومات وبين حزب أو أحزاب تختلف معها في المنهج أو تنازعها في مقاعد الحكم ومقاعد النيابة عن الشعب على نحو ما جرى ويجري في الجزائر، ومنها مواجهات عديدة مع الحكومات وصور غريبة من العنف العشوائي الذي طال رأس الحضارة الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية) بسبب التيار اليميني المسيطر عليها والذي يتصف بنظرية الامبراطورية. مؤكداً أن توقف الجميع عن الاتصال (الحوار) يعد جريمة ويساعد على ظهور أشخاص يشوهون صورة الإسلام كما حدث في سبتمبر، الذي جعل ركب المسلمين في بناء الحضارة العالمية متأخراً إن لم يكن مهمشاً.
لذا كان أستاذ القانون وعميد كلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت الأسبق ووزير الإعلام المصري الأسبق ابن أسيوط المولود 1930، أول الملبين للدعوة التي وجهها الأمين العام لجامعة الدول العربية لمجموعة من المفكرين والمثقفين العرب لبحث القضايا المتصلة بما يسمى بحوار الحضارات، وذلك لجعل العالم العربي أكثر قدرة على الاندماج في العطاء الإنساني العالمي... فتمت المناقشات الفكرية العميقة، ليخرج من بين الاقتراحات العديدة والتوصيات السديدة قرار إنشاء «منتدى» يحقق أهداف المبادرة العربية في التصدي لهجمة تشويه صورة العرب والحضارة الإسلامية، يكون له مقرر ومفوض لشؤون الحضارات، فلم يجد المجتمعون من بينهم أفضل من الدكتور «أبوالمجد» صاحب التجربة والرؤيا، والذي يرى أن مهمته في الحوار: «محاولة نبيلة لتغيير مستقبل العلاقات بين أبناء الحضارات المختلفة نحو الأفضل».
إلا أن الرأي الآخر يرى أن مهمة الدكتور «محاولة عسيرة في عالم يعيش المتغيرات الكثيرة والتي أفرزت مجموعة تسعى إلى بسط هيمنتها وقوتها على كل ما يدب على البسيطة عن طريق فرض فكرتها وثقافتها على العالم بوسيلة ماكرة مخدرة تنطوي على دس السم في الدسم، وهي فكرة «الحوار بين الحضارات» لتمرر من خلاله مشروعاتها وتصل إلى أهدافها... باعتبار أن المسلمين يملكون من مقومات القوة ومن أسباب النهوض ما يمكّنهم من منافسة الحضارة الغربية، فهم يمثلون الخطر الأول عليها... فيجب ضربهم وإضعافهم وقد تكون فكرة فتح الحوار معهم إحدى وسائل إضعافهم».
كان هذا الرأي المدوي والمسموع من الشرق قبل الغرب يتبناه الدكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام وغيره، محبطاً للجهود المخلصة والنوايا الحسنة التي ترى في الحوار سبيلاً للنجاة... فهل شهد أبوالمجد عبر خبرته الطويلة واقعاً مغايراً له، أم أن ذاكرته اختزنت ما هو أسوأ منه؟!
فها هو رفيق سفره في لقاء القمة الاسلامية المسيحية الأستاذ فهمي هويدي يكشف لنا المستور في مقالة "سباحة ضد التيار" عن لقاء نظمته جمعية سانت اجيدو الايطالية برغبة منها لمد جسور الحوار مع المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من ستمبر تحدث ضيوف اللقاء لمدة يومين في حوار اداره الرئيس الإيطالي السابق أوسكار سكالفارو، فكان كلام الكرادلة والأساقفة انطلق من الموقف الرافض للإرهاب والعنف والداعي إلى ضرورة الحوار ومكافحة الظلم والفقر وإقامة السلام على أساس من الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة... في حين ضم المتحدثون المسلمون أصواتهم إلى صوت إدانة العنف والإرهاب ورفض تشخيص الحملات الراهنة بحسبانها تعبيراً عن الصراع بين الحضارات... فقد أشار الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن المظالم وكبت الحريات في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب والتطرف وضرب مثلاً بما يتعرض له الشعب الفلسطيني، معتبراً أنه يعد نموذجاً للظلم الذي يسكت عليه المجتمع الدولي، والذي تسوغه بعض الدول الكبرى.
وفرح الجمهور الكبير الذي احتشد في مركز المؤتمرات في منطقة باب كاستيلو بروح اللقاء وجوه الانساني إلا أن الأمر لم يكتمل كما اريد لهذا المؤتمر الكبير في روما, فقد ضغطت العناصر الموالية لإسرائيل في داخل الفاتيكان لحصار لقاء سانت اجيديو والتقليل من فاعليته وهي العناصر التي كان لها دورها في الحيلولة دون التقاء المشاركين في الحوار مع البابا الذي تحمس في البداية لإجراء الحوار والاجتماع مع المتحاورين‏,‏ وكان لهذه العناصر أيضا دورها في الضغط لاستبعاد الإشارة الي قضية فلسطين حين طرحت فكرة إصدار بيان ختامي عن اللقاء‏,‏ وإزاء تمسك الطرف الإسلامي بتلك النقطة‏,‏ فقد استقر الرأي علي عدم إصدار البيان‏ ؟؟,‏ والاكتفاء بالإعلان عن إقامة مكتب اتصال دائم بين الطرفين الإسلامي والمسيحي للتحرك المشترك لمواجهة أي موقف يستلزم ذلك‏.‏؟؟؟
يقول الدكتور ايكيهارد شولتس عن منهج لغة التواصل الإنساني كعلاقة اشتراك لا تناحر والأسباب التي تهدد التواصل بين الحضارات بالانقطاع:
«إنه لا يصلح التواصل إذا صرنا القاضي والحكم ومن يحدد قواعد اللعبة، بل إن الاعتراف بالآخر يتطلب الاعتراف بحقه في المشاركة في تحديد القواعد منذ البداية واختيار الأسئلة التي يمكن أن تطرح والتي يجب أن تناقش».
سدد الله خطى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد والمخلصين من حوله.


0 comment(s) to... “د. أحمد كمال أبوالمجد..صاحب المهمة النبيلة”

0 التعليقات:

إرسال تعليق