رحلة إلى التاريخ الخالد في الصعيد الجواني(الحلقة السادسة)

Posted 6:56 ص by ali-aljassim in


في الطريق إلى المطار هزني صوت التكبير والتهليل الذي انطلق من مساجد الأقصر في فجر يوم عيد الأضحى المبارك "الله اكبر الله اكبر , لا اله إلا الله,الله اكبر الله اكبر ولله الحمد " .... وصلت المطار ولم انتظر كثسرا حتى اقلعت الطائرة الى مدينة اسوان ,وصلتها بحمدالله تعالى , وإذا بالأسمر "سعد النوبي" أمامي ينتظرني خارج صالة "القادمون" , حياني وحييته وباركت له بالعيد الكبير , أخذني بسيارته "البيجو" الفرنسية وقد تهالكت بفعل الأيام والاستعمال لكنها مازالت قوية على السير , كم هو شعور جميل أن تركب تلك السيارة متجولا في "أسوان" المشرقة لم أتوقع صفاء جوها وعليل هوائها, الخضرة من بين التلال الصفراء والصخور الغرانيتية الداكنة تتلألأ متناثرة هنا وهناك على جانبي ضفة نهر النيل ووسطه الصافي بلونه الأزرق الفيروزي والذي ليس بكدر ألوانه في "القاهرة" ,..التفت إليّ سعد قائلا: " تصدق يا أخ علي على الرغم من جمال أسوان إلا أننا نفتقد السواح الخليجيين" ، قلت له: "معقول ؟" قال : " نعم ولا نعرف إصرارهم على الذهاب إلى القاهرة بالرغم من زحمتها وارتفاع أسعار فنادقها" .... قلت: "والله إنها لخسارة ".
وصلنا إلى الفندق المطل على النيل مباشرة , وضعت حقيبتي في الغرفة ونزلت مسرعا إلى "سعد" متحسرا على قرار المبيت ليلة واحدة في أسوان الجميلة وقلت له: "أخي الكريم أنا جاهز لمشوار برنامج رحلتنا ما هي بدايتك ",
أجاب: " لقد علمت من ابن عمي في الكويت إنك تنشد القرى النوبية وأنا بصباحية العيد محضر لك مفاجأة سوف تسرك". قلت :"على بركة الله", انطلق سعد بسيارته يلف بنا يمينا وشمالا في شوارع وأزقة القرى الجميلة بألوان بيوتها الفاقعة فليس هناك بيت يماثل بلونه جاره ؟؟ سالت عن سبب ذلك ؟ فأجابني سعد ضاحكا :" يبدو إننا مللنا من لون بشرتنا الأسود "؟؟ توقفت السيارة عند ضفة النهر ونزلنا مشينا باتجاه قارب صغير يسمى "بالمعدايه " وكان بجواره سواح أجانب تبادلنا التحية معهم وعرفني كبيرهم الذي يبلغ من العمر عتيا بأنه مهندس من سويسرا جاء بعائلته للمرة الثانية إلى أسوان ؟؟ قال : "شدتني أسوان أكثر من أي مكان في العالم ".
ركبنا "المعداية" والتي من عادة أهل النوبة أن يخدم فيها الصغير فيها الكبير
مهما كانت درجة المعرفة بينهما , وأخذ "سعد" يجدف بنا إلى ضفة النهر المقابلة وصلنا إلى هناك ومشينا مسافة باتجاه بيت من طابق واحد بسيط في شكله ومعماره , بابه الحديدي مفتوح تطل منه رؤوس أطفال صغار تزينوا بلباس العيد دعاني سعد إلى الدخول إلى غرفة المجلس على يمين الباب دخلت "بسم الله وعلى بركته" جلسنا على الكنبة العتيقة وقدمت إلينا "أم حماده" تحيينا بالسلام وتبارك لنا بالعيد ودعتنا لمشاهدة ذبح خروف العيد في "حوش" البيت التي طلت عليه الدور الصغيرة ,والقصاب يسل سكينه لسلخ خروف العيد بعد أن قام بذبحه, شعرت حينها وكأني في بيت كويتي قديم فأدركت سر راحتي الكبيرة حين ولجت هذا البيت ,قالت "أم حماده": اجلسوا في الغرفة لحين إعداد لكم فطار الصباح ,دعاني "سعد" مرة أخرى إلى الغرفة وجلسنا نتبادل الحديث عن أهل النوبة وصفاتهم التي اتسمت بالطيبة والأمانة والإخلاص والوفاء. وقلت له: "بيوتكم قريبة من بيوتنا في الكويت فتصميمها واحد" فاستغرب سعد من كلامي وقال :" بيوتنا الحالية هي أكثر حداثة من بيوت النوبة القديمة ذات القباب لابد أن اريك إياها بعد أن نفطر فطورنا" وما أن انتهى من جملته حتى أطلت علينا "ام حماده" ثانية وهي تحمل مائدتها المباركة التي حوت الكبدة المحموسة بالبهارات فأكلناها بالفطير المصري بنخالته الطيبة .


0 comment(s) to... “رحلة إلى التاريخ الخالد في الصعيد الجواني(الحلقة السادسة)”

0 التعليقات:

إرسال تعليق