شكرت " الشايب " الذي كانت رفقته جميلة لا تمل وانطلقنا عائدين أنا ورام إلى جيبور لساعات طويلة مررنا عل أهل القرى الزراعية في الريف الهندي وكان الموسم بتباشيره وصلنا إليها بالليل وبعد ان وضعت أمتعتي بالفندق قلت لرام هيا نذهب إلى منتزه chokhi dhani وصلنا إلى مكانه وإذا بعلية القوم رواده , دخلنا إلى الداخل وكان بوفيه العشاء في الهواء الطلق أخذنا أطباقنا الصغيرة والمصنوعة من أوراق الشجر المجفف, حقا كان الأكل لذيذا وملابس الحضور كانت أجمل خاصة النساء فألوانهم براقة لم أكن اعرف أن الجمال الهندي إلا عندما رأيته ,صدقت ما قالته سيمونا : سوف ترى أجمل من اشواري راي ملكة جمال الهند والعالم, تجولت في المنتزه فكانت هناك أشبه بالاحتفال الفلوكلوري من رقصات فردية وجماعية وألاعيب البهلوان وخفة يد حاوي يأكل بيضة ويخرج من يديه حمامة يصفق له الحضور إعجابا ويطالبه بالإعادة ليعرفوا سر الخدعة ولكنهم يعجزوا عن اكتشافها ..
كانت ليلة من ألف ليلة عدنا للفندق وقد هلكت قواي ختمت اليوم الطويل بالصلاة وذكرا الواحد الأحد .
جاء الصبح والبرنامج حافل بالزيارة فبأدناه بقلعة عنبر وهو حصن ضخم شيد على التلال بالقرن السادس عشر كان يفترض إن أركب فيلا يأخذني إلى القلعة لكن مصادفة عطلة عيد المسلمين مع عطلة الهندوس وزحمة السواح لم احصل على فيل واحد , فقدنا السيارة إلى خلف القلعة التي تعتبر رائعة الشكل والتصميم تطل على المدينة الحمراء جيبور لعاصمة الهندوس التي كان يحكمها المهراجا مان سينج، حيث لم يهاجم أي إمبراطور مغولي هذه العاصمة إذ كانت تربط بينهم وشائج مصاهرة، فأخت هذا المهراجا هي "جودا باي" زوجة الإمبراطور أكبر وهي أم الإمبراطور جهاقير أكبر. انتهيا من القلعة ونزلنا إلى طريق يبعد مسافة عنها ليدخلني المرافق مكانا به فيلة قال سيدي اختر واحدا منها لتركبه , ركبت وأعطاني عامل الفيل عمامته الحمراء وخرجنا إلى الطرقات نلف ونلتقط صور من كاميرتي ومن مصور احترف التصوير دون استئذان .
ذهبنا بعد ذلك إلى مرصد جيبور الفلكي Jantar Mantar, built between 1728 and 1734, literally means the ‘instruments for measuring the harmony of the heavens’. الذي شيد عام1728 ، من قبل المهراجا سينغ ، الذي كان وراء المشاريع الكبرى في جيبور، وأرشدني المرافق (لال) إلى ساعات الشمس والمناخ وكيف تقاس حركة الكواكب والنجوم وأشار إلى إن علم الفلك مرتبط بالعقيدة الهندوسية ارتباطا وثيقا فالمرء لا يخطو خطوة إلا باستشارة النجوم والكواكب لما لها من تأثير على حياته ومستقبله, فقلت إن علم الفلك برع فيه المسلمون أيضا ولكن المسلم الحق لا يؤمن بالتنجيم فهم محرم في العقيدة الإسلامية لما له من آثار سلبية على مفهوم التسليم لقدر الله وقضائه وشرحت كيف إذا الإنسان استشار منجما أو عرافا عن أمر وأخبره بالطالع السيئ نحوه كالذي يقول إن لديك صديقا يكيد لك فاحذر منه أو ابتعد فأنت حينها سوف تتغير تجاه ذلك الصديق الأمر الذي ينعكس سلبا على أمر المودة بينكما وهو ما يجعل العلاقة مسرحا للمكائد والخصومة ,هز لي رأسه بالطريقة الهندية ولا اعلم إن كان قد اقتنع بكلامي أم لا.انتقلنا بعد ذلك إلى قصر الرياح الذي بني عام 1799 لكن اعمال الترميم منعتنا من الدخول إليه , استمتعنا بالنظر إلى عمارته المميزه ولونه الزهري المحمر ونوافذه العديده التي كانت نساء الأسرة الحاكمة تطل منها لمشاهدة الحياة اليوميه والمواكب الملكيه في المدينة من دون أن ينظر إليهم الآخرون انتهينا من الزيارة الخاطفة لقصر الرياح وذهبنا إلى مدينة القصور التي مازال بعض أحفاد المهراجا الكبير يسكنون جانبا منها ,تجولنا في إرجاء قصر ضم متحفا ودار الضيافة وكيف استقبلت يوما الملكة البريطانية الحالية اليزابيث فخيرها المهراجا بين ضيافته أو ضيافة قصره فاختارت ضيافته فقدم لها في وجبة العشاء فقط شوربة عدس فشكرته امتنانا ,هكذا حكي لي المرافق (لال) الذي همس لي في نهاية الجولة :بأنه يمتلك كنزا من التاريخ قلت :ما هو قال: أخبرك عندما نعود إلى الفندق .عدنا الى الفندق وجلست في صالة الاستقبال انتظر كنز لال الذي أتى به يحمله في لفافة من المخمل الأحمر وجلس بجانبي وفتحه بهدوء بالغ فإذا بالكنز مخطوط قديم عثر عليه صديقه المسلم الذي أراد بيعه انتفاعا تصفحت الكتاب على مهل فوجدته مكتوب بالفارسية ومكحل برسوم وزخرفة إسلامية جميلة , فقلت له : كنزك لا ينفعني لأنه مكتوب بالفارسية . أعدته إليه وأعاده مرة أخرى إلى لفافته المخملية ,ثم قال :سيدي انتهى برنامج اليوم آمل أن يكون قد أعجبك فقلت له: أجل وشكرا على الرفقة ,ودعته عند باب الفندق وتواعدت مع رام السائق أن يأتيني الساعة الثانية فجرا للذهاب إلى المطار .
جاء الوقت المتفق ورام قبل الثانية ينتظرني انطلقت معه إلى مطار جيبور الذي ازدحمت صالة مغادرة بالهنود الجدد الذين قدموا طلبات عمل في الإمارات العربية المتحدة شكرت رام وأجزلت له العطاء معروفا لرفقته الطبية وعنايته الكبيرة بي , وعدت سالما معافى إلى الكويت ,واتصلت قائلا : شكرا سيمونا على ما رتبت لي من أمر السفر إلى بلادك وإنني الآن بصدد الرسم والكتابة عما شاهدت فيها , قالت :هل لي برسمة تاج محل , قلت: لاباس بصورة عنها. .






انتهينا من تاج محل ليسألني المرافق عما أرغب في رؤيته في المدينة قلت الأسواق القديمة فاتجهنا إليها وجلنا خلالها وأنا ارقب حركة الناس وبخاصة المسلمين منهم وهم بلباس العيد فرحين باليوم السعيد..جلسنا في مطعم قديم قدم الحلويات أكلت منها كان المذاق حلو جدا لم أكمل ما طلبته فأخذته الباقي لرام السائق عرفانا لجهده الذي بذله معي باليوم الطويل ,عدنا إلى الفندق وبت لبرنامج الغد ,جاء الصبح ونزلت إلى بهو الفندق وإذا بالمرافق الشاب انقلب إلى عجوز بالثمانين قلت أين اشو قال أنا أبوه كلفني بمرافقتك فلقد حصل طارئ له قلت : عساه خيرا , قال : خيرا.
رافقني العجوز الذي كان دليلا سياحيا يعرفه كل من نقابلهم في المتاحف والزيارات يحيونه ويقدرون صداقته كثيرا ذهبنا أولا إلى ميمي تاج محل التي جاءت أخباره كما أوردها الدليل
عن إمبراطور هومايون، ابن بابور الذي بنى ضريحا حفظاً لذكرى زوجته الأولى والذي كان الشاهد الأول على عظمة العمارة في العهد المغولي.
فكان هو النموذج الذي طور منه تصميم تاج محل. وفيه أيضاً دفن هومايون, وقد كان الضريح الأكثر جمالاً في زمانه وحدائقه امتدت على مربع مساحته 13 فداناً. أما اليوم فهو عارٍ وموحش. لننطلق قاصدين قلعة أغرا القريبة وهي بناء رائع مهيب من الأحجار الرملية الحمراء يطل على المدينة من خلال نوافذه العديدة وبوابته الكبيرة أنه أشبه بقلعة هائلة حصينة بداخلها قصور وسكن للجيش، تحيط بالقلعة بركة من الميـــاه عرضها عشرة أمتار تقريباً. تبعد عن تاج محل حوالي 2.5 كيلومتر, دخلنا إلى ساحة السلملك والحرملك وإيوان الملك الذي يستقبل الناس من شرفة كما شاهدت إقامة الملك شاه جيهان الجبرية الذي التي فرضها ابنه اورانج زيب الذي ساءه أن يبذر والده أموالا طائلة من خزينة الدولة لإقامة ضريح حتى ولو كان لوالدته أو له .
اورانج زيب بعد أن تولى زمام الحكم أخذ ينفض حياة الترف والبذخ كما يذكر الكاتب ويل ديورانت في كتاب قصة حضارة " فكان من أعظم القديسين في تاريخ الإسلام، بل ربما كان أميز الأباطرة المغول جميعاً بما كاد يتفرد به من صفات؛.. فقد لبث حياته كلها مسلماً ورعاً، يقيم الصلاة ويقضي فيها وقتاً طويلاً، ويحفظ القرآن كله، ويجاهد في قتال الكفار؛ وما أكثر ما قضى من ساعات يومه عابداً، وما قضى من أيام حياته صائماً؛ وكان في معظم الأحيان يخلص في أداء شعائر دينه إخلاصه في الدعوة إليها؛ نعم لقد كان في السياسة بارداً يقدر عواقب الأمور تقديراً دقيقاً، وله قدرة على الكذب الماهر في سبيل بلاده وعقيدته؛ لكنه مع ذلك كله كان أقل المغول قسوة وألطفهم مزاجاً؛ قل القتل في عهده، وكاد يستغني عن اصطناع العقاب في محاكمة المجرمين؛ وكانت شخصيته متسقة الجوانب فتواضع في عزة، وصبر في وجه المعتدي، ومع هدوء نفس في أوقات المحنة؛ وامتنع عن كل ما يحرمه دينه من ألوان الطعام والشراب وأسباب الترف امتناعاً كان يرقبه فيه ضميره؛ وعلى الرغم من براعته في عزف الموسيقى،لكنه أقلع عنها لأنها ضرب من اللذة الحسية. والظاهر أنه نفذ ما صمم عليه وهو ألا ينفق على نفسه إلا ما كسبت يداه من العمل.. وأمر قبل موته أن تكون جنازته بسيطة إلى حد الزهد، وألا ينفق في كفنه إلا الروبيات الأربع التي كسبها بحياكة الطواقي؛ وأن يغطى نعشه بقطعة من "الخيش" الساذج؛ وترك للفقراء ثلاثمائة روبية كسبها بنسخه صورة من القرآن، ومات وعمره تسعة وثمانون عاماً،بعد أن عمر على الأرض أمداً أكثر جداً مما أراد له أهل الأرض أن يعيش".













توقفت السيارة ولم أرى تاج محل ,تساءلت عن السبب قال قررت الدولة منذ مدة أن تتوقف السيارات بعيدة عن المكان حتى لا يتأثر بنيان تاج محل الجميل بتلوث عوادم السيارات فنزلنا وركبنا الباص الكهربائي وركب معنا جمع من السواح , وصلنا بعد كيلومترين إلى ساحة منطقة التاج الذي شيد خارج مدينة (أغرا) عاصمة حكم المغول, دخلنا بوابته الحمراء التي زخرفت ونقشت بآيات القرآن الكريم, شكلت القباب الصغيرة على عدد سنوات بناء الضريح العشرين , دخلت وإذا بمنظره الجميل أمامي والناس من حولي تتزاحم لالتقاط الصور له, مهيب في شكله تحيط به حديقة واسعة تجلب إليها المياه من النهر القريب تغذي نوافيره بركة ماء طويلة تعكس صورتة ، اخذ المرافق يسرد لي قصته كيف التقى غياث الدين خُرّم بن جهانكير، الملقب شاه جهان (أي ملك الدنيا) ذو السادسة عشر بجهان أرجونمد بانو باكام (ابنة أخ زوجة أبيه) ، ذات الخامسة عشرة، يقال أنها كانت نادرة الحسن والجمال وقد تزوجا بعد ذلك بأربع سنوات، وقد كان مسموحا لجهان أن يقتني عدة زوجات، لكن (ممتاز) وهوالاسم التي خلدها بعد أن أصبحت زوجة الملك شاه جهان أي ملك الدنيا أحد حكام الهند في القرن الحادي عشر الهجري كانت أثيرته ومعشوقته ورفيقة دربه لا تتركه ولا يتركها في كل في المسرات أو المضرات , كانت كما كتب الدافع القوي لقيامه بالكثير من أعمال الخير والبر وخاصة مع الضعفاء والفقراء والمحتاجين . أنجبت له أربعة عشر ولداً ..وماتت على فراش الولادة في العام 1630 وقبل موتها طلبت من زوجها أربعة أشياء تعكس مدى الحب وعمق الشعور التي كانت تكنه له، وهي:ـ أن يبني تاج محل.ـ أن يتزوج بعدها.ـ أن يحسن معاملة أبنائه.ـ أن يقوم بزيارة الضريح في الذكرى السنوية لوفاتها.ولكن وللأسف لم يستطع الوفاء إلا بالوعدين الأول والثاني ,فقد خلعه ابنه "أورانج زيب" بعد ان اهلكه حب ممتاز الذي قرر ان يبني ضريحه الأسود على الجانب الآخر من تاج محل يربط بينهما جسر مهيب على نهر يامونا وبالفعل بدأ المهندسون كما تذكر الأخبار في بناء ضريح (شاه جيهان) مما أثار استياء الشعب والجيش معاً اللذين رأوا في البناء هدرا للأموال فقام بعض قادة الجيش بتنصيب ابنه "أورانج زيب" إمبراطوراً وعزل والده الإمبراطور شاه جيهان الذي أتعبه الدهر والمرض، فوضع رهن الإقامة الجبرية في قصر (أغرا) وظــــل محبوساً في قسم منه، ومنع عنه الاتصــــال بأحد إلا ابنتيه (جيهان آرا وروشان آرا) اللتين كانتا تؤنسان وحشته، لكن قلبه الوحيد لا يؤنسه إلا أن ينظر عبر مرآة وضعها له أحد المهندسين في أحد الأعمدة لتعكس صورة ضريح محبوبته الذي يبعد عدة أميال عن سجنه ,توفي كمدا ونقل بأمر الابن اورانج زيب إلى جوار أمه ممتاز ليدفن بالقرب منها في قبو يحتضن قبريهما جنبا إلى جنب خلاف القبرين اللذان يشاهدهما الزائرون في الطابق الذي يلي القبو فوقهما.
تاج محل يطلق عليه المؤرخين في عهد الشاه اسم (روزا) ممتاز محل ، أي ضريح ممتاز محل ، لكن بعدها شاع اسم تاج محل وترجم على هذا المعنى, عمل عشرون ألف عامل في بنائه الذين جلبوا بأيديهم أحجار المرمر الأبيض التي استعملت في بنائه من منطقة (راجستان) البعيدة ,وقيل ان مهندسه تركي يقال له عيسى أفندي وقيل انه غير معروف انتهى بناؤه عام 1653م، وبداخله مسجد وقصر للضيافة وأربع منارات، ثلاث منها قريبة بنيت مائلة عكس الاتجاه لئلا تقع على البناء في حالة حدوث زلزال، أما المنارة الرابعة فبنيت بزاوية قائمة بعيدة قليلاً، وصفه نهرو الزعيم الهندي يوما: "هو ليس قبراً ... بل أغنية من المرمر"






بعد أن انتهينا من زيارة مسجد الجامع بدلهي القديمة انطلقت السيارة بأقصى ما لديها من سرعة نحو المزار الثاني في الرحلة إلى قطب منار الذي أوردته المصادر بأنه أحد المعالم الإسلامية الفريدة ,فمنارته هي الأطول من نوعها في الهند وثانية أطول المنارات في العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في أشبيلية. وقد بناءه قطب الدين أيبك، أول حاكم من سلسلة من المماليك الأتراك الذين أسسوا سلطنة دلهي ، و ممن ساهموا في نشر الإسلام في شمال الهند، ، أراد أن يخلد عهده، فشرع في بناء قطب منار عام 1193 م، ولم تسعفه الظروف في إكمال العمل ,فقام خليفته إلتمش بإضافة ثلاث مستويات أخرى، ثم قام فيروز شاه تغلق عام 1368 م بإضافة المستوى الخامس وهو آخرها.
منارة يبلغ ارتفاعها 72.5 مترا -من أصل 80 مترا-، ويوجد بداخلها درج حلزوني يبلغ 379 درجة، يمكن عن طريقه الوصل إلى القمة ,ويعتبر قطب منار أعلى مبنى حجرى في الهند، استعملت في بنائه أحجار رملية حمراء اللون، بينما أكمل المستويان الأخيران بالرخام الأبيض، جدران المبنى مزخرفة بالنقوش والآيات القرآنية.يضم مجمع قطب منار العديد من المباني الأخرى على غرار مسجد (قوة الإسلام) الواقع في حرم(منار قطب) وتم تشييده بين عام 1191-1196 وقد جمع في بنائه بين أسلوبي العمارة الإسلامية والهندية. لم يتبق من المسجد الأصلي إلا بعض الآثار، على أنه يمكن معاينة بعض الأجزاء التي تزينها نقوش من الزهور والآيات القرآنية.اقتربت من المنارة العالية وتأملت جحم الزخرفة الجميلة واستغربت إنها ما زالت بالرغم القرون التي خلت جميلة واضحة للعيان فطلبت أن اصعد قال المرافق تم المنع بسبب ما كانت تشهده المناره من حالات انتحار ؟؟
وبعد قطب منار ذهبنا إلى بوابة الهند الكبيرة التي أقامها الانجليز رمزا لدلهي الجديدة. وتكريما للجنود الهنود الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى.
فوجدت الشارع المحيط بها هادئاً جميلاً استثناء من الشوارع التي ممرنا بها في دلهي القديمة والجديدة ,لينتهى البرنامج الى وجبة عشاء بمطعم نباتي وعدت بعدها مرهقا إلى الفندق وخلدت نوما استعدادا لرحلة مدينة أغرا.
وفي الصباح الباكر وجدت السائق رام بانتظاري فتصافحنا وهز لي رأسه بان الأمور كما يجب انطلقنا من دلهي ومساجدها تكبر بأول أيام عيد الفطر المبارك كم كنت أتمنى أن أشاركهم صلاة العيد لكن الطريق طويل إلى أغرا ,وقبل الوصول إليها توقفت السيارة أمام زحمة السير المعطل فسألت رام مالأمر أفاد : سيدي هناك احتفال هندوسي والناس خرجت لتتبارك من الآلهة ولم ينته من جملته حتى رأيت أفواج من البشر ترفع أعلاما بيضاء وخضراء تحمل مؤونتها وتسير راجلة إلى معبدها البعيد انتظرنا أكثر من ساعتين حتى سلك الطريق للسيارة التي ارتفعت حرارتها كلما شغل المكيف البارد ,قلت لرام :أطفئه فلسنا بحاجة إلى المكيف بقدر الوصول سالمين.
دخلنا المدينة فكانت شوراعها غاصة بكل شي, سيارات متهالكة ومارة فضلوا الحديث في وسط الشارع وباعة تعالت أصواتهم هذا ناهيك عن الأبقار المقدسة والكلاب الجائعة , لا تعرف الحكمة من وجود الطرقات؟؟, وصلنا إلى الفندق والمرافق القصير ينتظر أمام البوابة معاتبا السائق على التأخير فشرح له رام أمر الطريق , فالتفت إلي مرحبا قال : سيدي علينا الإسراع حتى لا تقفل أبواب تاج محل , امتثلت لرأيه , وانطلقنا بالسيارة إلى حيث من أجله كتبت القصص والروايات حتى أصبح أعجوبة من أعاجيب الدنيا السبع في استفتاء عالمي جرى في عام 2007.






وصلنا إلى المسجد الجامع أو "جاما مسجد" كما يطلق عليه في الهند ، وقد بناه الإمبراطور شاهجهان سنة 1650م كأكبر مسجد في الهند. وهو ضخم بكل المقاييس يمكنه استيعاب 25 ألف مصل. ومقام من الحجر الرملي والرخام الأبيض. وله ثلاثة مداخل، ومآذنتان يصل ارتفاعهما إلى 40 مترا. ويحتفظ القائمون على هذا المسجد بنسخ من القرآن الكريم كتبت بيد الصحابة الكرام على جلد غزال.، كما يحتفظون بشعرة من لحية المصطفى صلى الله عليه وسلم وأثر قدمه الشريفة ، جلبها القائد المغولي تيمور لنك من مكة المكرمة إلى الهند . ويحيط بهذا المسجد أسواق شعبية للمسلمين انشغلت بالاستعداد ليوم الغد عيد الفطر المبارك حيث لم يثبت بعد هلال العيد عندهم.
جاء ذكر المسجد الجامع في موسوعة التاريخ ,ودوره الكبير في إشعال نار ثورة الهنود ضد المستعمر الانجليزي حين دعا آخر ملوك المسلمين في الهند
بهادر شاه علماء المسلمين إلى اجتماع في المسجد ، ليعلنوا فتوى الجهاد ضد الانجليز ، بعد أن أحكموا سيطرتهم على البلاد ، وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند، الذين كانوا يتقاضون رواتب مالية منهم، وغدوا كأنهم موظفون لديهم، وبلغ من تعنتهم ومدى نفوذهم أنهم كانوا يتحكمون فيمن يدخل "دلهي" ومن يخرج منها... فولد ذلك شعورا بالسخط العام في الهند على وجود الإنجليز الذين ينهبون خيراتها عبر شركة الهند الشرقية ويمارسون سياسة التعسف والتفرقة فأعلن علماء المسلمون الجهاد واندلعت الثورة التي اشترك فيها المسلمون والهندوس معا تحت راية بهادر شاه لكن الثورة فشلت لأنها كانت بحاجة الى تخطيط مسبق، وقيادة واعية تستطيع أن تتحكم في حركة الثورة، ولم يكن بهادر شاه يصلح لهذا الدور لكبر سنه، فاستطاع الإنجليز أن يعيدوا تنظيم أنفسهم، وتجميع قوات هندية من الأمراء الموالين في بعض مناطق الهند، ..، الأمر الذي ساعدهم على مقاومة الثورة والقضاء عليها في دلهي والمناطق الأخرى التي اشتعلت بها في (1274هـ - 1857م).
وبعد فشل الثورة قام الإنجليز بالقبض على بهادر شاه وأهل بيته ، وساقوهم مقيدين في ذلة وهوان، بعد ان أطلقوا على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة منهم، وقطعوا رؤوسهم,قبل محاكمة بهادر شاه في محاكمة صورية في 10 من جمادى الأخر 1274 هـ , 26 من يناير 1858م،حيث صدر حكم الإعدام عليه ثم خفف الحكم إلى النفي إلى مدينة "رانكون" عاصمة بورما، ، وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند، وطويت آخر صفحة من صفحات الحكم الإسلامي في الهند الذي ظل شامخًا أكثر من ثمانية قرون، ثم أقدم الإنجليز على تأكيد مخططاتهم وما كانوا يحاولون ستره بأشكال مختلفة، حين أصدرت الملكة فكتوريا في (23 من ربيع الأول 1275هـ = 1 من نوفمبر 1858م) بنقل حكم الهند من يد شركة الهند الشرقية إلى يد المحكمة البريطانية، وبذلك دخلت الهند رسميًا ضمن مستعمرات التاج البريطاني، حتى الجلاء عنها في سنة (1367هـ = 1947م) ظل بهادر شاه في محبسه حتى وافته المنية في عصر يوم الجمعة الموافق (14 من جمادى الأولى 1279هـ = 7 من نوفمبر 1862م) وقد بلغ من العمر 89 سنة، قضى منها أربع سنوات في منفاه، وكان بهادر شاه شاعرًا مجيداً، فاضت قريحته أسى وحزنًا على ما وصل إليه، وما آلت إليه دولته، فعاش سجينًا وحيدًا، لا يزوره أحد، ومن شعره الذي يصور مأساته قوله:
يا رسول الله ما كانت أمنيتي إلا أن يكون بيتي في المدينة بجوارك
ولكنه أصبح في رنكون وبقيت أمنيات في صدري
يا رسول الله.. كانت أمنيتي أن أمرغ عيني في تراب أعتابك
ولكن هاأنذا أتمرغ في تراب رنكون
وبدلاً من أن أشرب من ماء زمزم، بقيت هنا أشرب الدموع الدامية
فهل تنجدني يا رسول الله. ولم يبق من حياتي إلا عدة أيام






كانت دوما تحثني على السفر إلى الهند وقد رتبت أكثر من برنامج رحلات لي لكي ازور بلادها جولة تشمل دلهي واغرا ثم غوا وكيرلا لكنني أتراجع باللحظة الأخيرة فتسألنني عن السبب فأجيب : سأفقد لذة السفر بغياب راحة ونظافة المكان قالت أنت فنان واهتمامك بالتاريخ يجب أن يكون اكبر من كل شي صدقني لن تندم بزيارتك الهند .
أجبت لنتركها للوقت المناسب , وفي أول أيام شهر رمضان المبارك عام 2007 كنت ابحث في الانترنت عن عمائر المساجد واستوقفتني صورة لجامع دلهي الكبير الأحمر وجموع المصلين الغفيرة فقلت ياالله ما أجمل المنظر, لابد من الذهاب إلى الهند فالرسم سوف يكتمل معناه بتلك العمائر الجميلة اتصلت بسيمونا وقلت لها قررت الذهاب إلى بلادك ما رأيك ردت علي : قالت هذا انسب وقت للسفر إليها فالجو مناسب دعني ارتب لك البرنامج .. أثق بها كثيرا منذ أول يوم يوم قدمت إلى المكتب السياحي الذي تشتغل به فهي دون عن بقية موظفي المكاتب الأخرى تجيد ترتيب السفر من أوله إلى آخره منذ لحظة ركوب الطائرة حتى عودتك سالما منها تعرف كيف تنظم الاستقبال في المطار والرحلات الداخلية وان كنت اشعر أحيانا إنها تغلبني بالسعر وأقول لنفسي دينار ادفعه خير من ضياع يوم دون برنامج أو زيارة...
اتصلت بعد يومين قالت بصوتها الحاد : مستر علي جهزت لك السفر لخمسة أيام تذهب من الشارقة إلى زيارة منطقة المثلث الذهبي قلت : وما هو المثلث الذهبي قالت : مثلث يشمل في الخريطة مدن دلهي واغرا وجيبور ومعالمها الأثرية فتاريخ تلك المدن من ذهب ؟؟ قلت : توكلنا على الله . جاء يوم التاسع والعشرين من رمضان سافرت على جناح العربية إلي الشارقة حيث بت ليلة فيها وكم انس ليالي رمضان في تلك الإمارة الجميلة فمظاهرها الرمضانية قريبة من الكويت .
اقتربت الساعة من التاسعة وحان وقت الذهاب إلى مطار الشارقة من جديد لكن لم يبت بأمر يوم غد ان كان عيدا أو تكلمة لعدة شهر الصوم لكن مذياع سيارة الأجرة نطق أخيرا عن رؤية هلال عيد الفطر المبارك تبادلت التهاني مع السائق الأفغاني الذي واجهته زحمة السير في الطريق .
تأخرت الطيارة عن موعدها ساعة ثم انطلقت إلى جيبور الهندية عاصمة ولاية راجستان، ,وصلت إليها مع تباشير الصباح الأولى نزلت من الطائرة التي شهدت مناوشات هندية هندية فالكل أتى بحقائب اليد الممتلئة على الآخر واختلف في المكان التي يضعها , لا بأس تحدث بأحسن الحالات نزلت من الطائرة مودعا مضيفيها الطيبيين إلى المطار الصغير فهو عبارة عن صالة واحدة دخلت إليها وإذا بطابور طويل يصطف أمام ضابط الجوازات انتهيت منه وإذا بطابور آخر يصطف أمام جهاز كشف الحقائب..ياالله ؟؟ انتهيت من الإجراءات وخرجت إلى الخارج وإذا باسمي قد رفع على لافتة بيضاء صغيرة , قدمت نفسي إلى من يحملها فكان شخصا طويلا وضع في أذنه حلقتين من الذهب استغربت أمرها ثم عرفت انه شأن ديني وقال لي باللغة الانجليزية الهندية المعروفة :مرحبا سيد علي أنا من مكتب السفريات ومسؤول عن برنامج رحلتك وان وقتك قصير معنا في الهند لكن اعددنا لك البرنامج الحافل الذي سيبدأ منذ الآن وقدم لي ملفا جميلا : تفضل هذا الملف فيه كل ما تحتاح من معلومات حول خط سير رحلتك تفضل معي إلى السيارة ,ورافقني إلى سيارة بيضاء رأيتها كثيرا في الأفلام الهندية وقف بجانبها شاب هندي مبتسما قدم نفسه على انه سائق الرحلة ركبت وانطلقت معه إلي دلهي ثالث أكبر مدينة في العالم وأخرجت ما تيسر من بسكويت لاحتفل بأول إفطار بعد شهر الصوم وقلت للسائق كم من الساعات سوف تستغرق الرحلة قال مايزيد عن خمس ساعات .






تطورت عمارة المساجد بعد أن مكن الله عزوجل الفتوحات الإسلامية من إرساء دعائم الإيمان في أهل الأمصار , فكان أول أعمال المسلمين بناء المساجد التي هي بيوت الله العامرة بذكره , فنهجوا " في بناء مسجد البصرة سنة 14هـ ومسجد الكوفة سنة 17 هـ ، كما اتبع عمرو بن العاص في بناء مسجده في مدينة الفسطاط سنة 21 هـ وكانت مساحته وقت إنشاءه 50 في30 ذراعاً جداره من اللبن وأعمدته من جذوع النخل وتسوده البساطة وكانت مساجد البصرة والكوفة ومصر خالية من المحاريب المجوفة ومن المنابر والمآذن على غرار مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام .. , وفي عهد الدولة الأموية حيث جلب الأمويون أمهر الصناع من كل الأقطار الإسلامية لبناء المساجد فتطورت عمارة المساجد في عهدهم تطوراً كبيراً وبخاصة في عهد عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك ، ومن أشهر المساجد التي تم بناؤها في ذلك العهد مسجد قبة الصخرة في القدس والمسجد الأموي في دمشق وجامع سيدي عقبة القيروان وجامع الزيتونة في تونس .(1)
أما العصر العباسي فقد استمرت النهضة العمرانية للمساجد ولكنها أخذت شكلا آخر من حيث الحجم والاتساع فالدولة العباسية اتخذت من بغداد عاصمة لها وتم بناء مسجد أبي دلف في بغداد حيث بناه الخليفة أبو جعفر المنصور ، ومسجد أبي دلف كان فريداً من نوعه في عمارته من حيث طوله وعرضه والأعمدة المرتفعة به ومئذنته الفريدة حيث كانت على شكل برج حلزوني درجاته من الخارج .
وقد بهرت عمارة المساجد في العصور الإسلامية المختلفة كل المبدعين والمهندسين كما تقول الدكتورة منى محمود بدر " لذا بدأوا يقتبسون من عمارة المساجد ونقلها إلى أوروبا في نهاية العصور الوسطى وبدايات عصر النهضة " .
وقد كانت المساجد الكبرى في المدن الإسلامية من أعمال الولاة والحكام والخلفاء ، متأسين بذلك بنهج المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في عمارة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، فلقد وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه دستورا لإنشاء المدن أذاعه على فاتحي الأمصار ومنشئيها في صدر الإسلام فجعل المسجد محور المدينة أو مركزها بحيث تتفرع الشوارع منه وأن يكون النهج العام( الطريق العام ) أربعين ذراعا وما يليها ثلاثين والحارات عشرين ذراعا والأزقة سبعة أذرع.
كما اقتدى الخلفاء بسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين يسمح بإضافة أي عنصر معماري ييسر ويسهل من أداء المسجد ووظيفته ، فعن جابر بن عبد الله أن امرأة قالت: يا رسول الله ألا أجعل لله شيئا تقعد عليه فان غلاما نجاراً قال إن شئت فعملت المنبر ، وقد عمل المنبر من ثلاث درجات من خشب من طرفاء الغابة ".
كما أقر الرسول الكريم فعل تميم الداري الذي حمل معه من الشام إلى المسجد النبوي قناديل وزيتا لإنارة المسجد ليلاً وعندما رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك قال له : " نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة " (تفسير القرطبي).
دروس معطاه عززت للمسلمين حرية الإبداع والابتكار ، فكانت للعمارة الإسلامية وزخرفتها خصوصية في كل بلد من بلاد العالم الإسلامي.

مصادر ومراجع المقالة :
(1) المساجد إبداع معماري متميز على مر العصور _ د. منى محمود بدر




تذكر المصادر انه أضيفت فيما بعد عنصران مستجدان على عمارة المسجد هما المئذنة والميضأة ...فالمئذنة لم تكن جزءاً رئيسا في المسجد وأقدم ما ذكر عن بناء المآذن في الأمصار ما ورد على البلاذري من أن زياد بن أبيه ( عامل معاوية بالعراق ) بنى منارة من الحجر لجامع البصرة سنة 45 هـ - 672 م عندما أعاد بناء الجامع الأول بالأحجار ، ... أما الميضأة فلم تكن أيضاً جزءاً أساسيا من المسجد فقد كان المسلمون أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون يذهبون إلى المسجد متوضئين ، وإنما أضيف أمر الميضأة فيما بعد .
وتشير الدراسات إلى المؤثرات المناخية على عمارة المساجد ، حيث إنها أثرت في تصميم عناصر المسجد الأساسية التي يأتي في مقدمتها (كما ورد) الصحن ورواق القبلة ... فالصحن المكشوف أو الفناء الأوسط إذ أنه مصدر الضوء والهواء لمظلات المسجد المحيطة وبخاصة رواق القبلة التي يندر أن تكون فيه فتحات للنوافذ لهذا روعي أن تكون ساحة الصحن فسيحة ومكشوفة وكان تحديد شكل الصحن ومساحته يتركان للظروف الخاصة بكل إقليم ، فنجد أن الصحون المكشوفة تقل مساحتها كلما اتجهت شمالاً أو جنوباً في بلاد العالم الإسلامي .
ويذكر الدكتور يحيى الوزيري أستاذ العمارة في جامعة القاهرة حول مفهوم الوحدة والتنوع في عمارة المساجد : " أن تصميم المساجد في صورتها العامة لم يتغير منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحتى الآن وهو ما يمكن الإشارة إليه بمصطلح " الوحدة في التصميم " ", وهذا ما أكد عليه المفكر الفرنسي روجيه جارودي في قوله : " أنا شخصياً حيثما أرى روائع الفن الإسلامي أشعر أن رجلاً واحد قد قام ببنائها مدفوعا بإيمان بإله واحد ... من الجامع الكبير في قرطبة إلى فسيفساء المساجد في تلمسان ومن جامع ابن طولون في القاهرة إلى مساجد اسطنبول الفخمة " .
إلا أن تنوع البيئات المتعددة والثقافات المختلفة التي دخلت في دين الله أفواجا قد أكسبت عمارة المساجد تنوعاً في التصميم في إطار وحدة عناصر المسجد الأساسية والمتغيرة . فقد تنوعت طرز المساجد ما بين طولونية أو فاطمية أو مغربية أو سلجوقية ( في إيران وتركستان والعراق ) أو مملوكية (في مصر والشام) أو هندية مغولية (في الهند وأفغانستان ) أو صفوية ( في إيران وخراسان ) أو تركية عثمانية ( في آسيا الصغرى والبلقان وشرق أوروبا ومصر والحجاز والشام ) .






تستمد عمارة المساجد ثوابت عناصرها المعمارية من المسجد النبوي الشريف
" باعتباره حدثا فريدا في تاريخ العمارة الإسلامية فهو أول بناء خالص يمكن إطلاق صفة إسلامي عليه ، حيث وضع الرسول الكريم بأفعاله وتوجيهاته في بناء المسجد النبوي أسس عمارة المساجد تاركا بعد ذلك للمسلمين حرية الابتكار والإبداع حسب ظروف كل مكان وبيئته.., وتشمل أربعة عناصر رئيسة" ( 5):
العنصر الأول : جدار القبلة : وهو الجدار الرئيس في بيت الصلاة المتجه نحو مكة المكرمة, ويسكنه المحراب "وكلمة "المحراب" كلمة عربية قديمة وردت في معاجم اللغة في مادة "حرب" ومن معانيها : صدر المجلس" , فهو نتوء في منتصف جدار
المسجد المواجه للقبلة يدل على اتجاهها, ويكون عادة على شكل طاقة نصف دائرية أو مضلعة مجوفة تسع أن يقف فيها رجل .
العنصر الثاني: الصحن المكشوف : الذي ميز النموذج النبوي ,ودوره في المسجد كمصدر أساسي للتهويـة وإضاءة الأروقة" , وفي كثير من المساجد يضم الصحن مصادر للمياه يتوضأ منها الناس - وهي - في الأغلب على شكل "بحيرات" يندفع إليها الماء الجارى وتشكل - إضافة إلى مهمتها الأساسية - لمسة جمالية على صحن المسجد كما في المسجد الأموي بالشام.كذلك يستفاد من الصحن في استيعاب المصلين إذا زادوا عن طاقة حرم المسجد وفي المساجد الكبيرة كالمسجد الأموي في دمشق ومسجد ابن طولون في القاهرة أقيمت في صحنيهما قباب صغيرة ذات أبواب مقفلة وضعت فيها خزينة الدولة وأوراقها ووثائقها الهامة.(6)
العنصر الثالث: الأروقة المسقوفة : والرواق هو الممر العريض المسقوف الذي يحيط بالصحن من جانب واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة جوانب ، أكبرها وأهمها رواق الصلاة ( القبلة ) ، وتختلف طرق تسقيف الأروقة حسب الزمـان والمكان والطراز المعماري .
العنصر الرابع: المنبر : اشتقت كلمة المنبر من " نبر " وأنتبر الشيء أي بمعنى ارتفع , وله تعاريف أخرى في المراجع اللغوية تتفق بهذا المعنى" وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخطب في المسلمين بمسجده الشريف وهو واقف عند أحد الجذوع التي تحمل السقف ومتكىء على عصا من خشب "الدوم" ولاحظ المسلمون أن هذا الموقف يشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعبه فاقترحوا عليه أن يتخذ شيئاً يجلس عليه ويستريح فوافقهم على ذلك فصنع له منبراً من خشب الأثل يتألف من ثلاث درجات الأولى والثانية منها لصعوده والثالث لجلوسه وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع وعرضه ذراع واحد وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة... وتوالت بعد ذلك إقامة المنابر في المساجد في مختلف ديار المسلمين وزيد في عدد درجاتها بسبب إتساع مساحة المساجد وكثرة عدد المصلين ولكي يتمكن المسلمون من رؤية الخطيب ويتمكن الخطيب من رؤيتهم, وبات "المنبر" جزءاً أساسياً من مقومات المسجد الجامع وهو يصنع - في الأغلب - من الخشب وقد أبدع الفنانون المسلمون في نقش المنابر وزخرفتها واستخدمت الأخشاب الثمينة في صنعها.

مصادر ومراجع المقالة :
(5) العمارة الإسلامية والبيئة _ د. يحيى الوزيري (6) عمارة المساجد _موقع وزارة الإعلام _المملكة العربية السعودية






لعمارة المساجد قواعد ثابتة كما بينها أهل الفقه (4) :
القاعدة الأولى: أن يتم بناء المساجد وإعلاؤها ,كما قال القرطبي (رحمه الله) في تفسير قول الله تعالى:"
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ" (النور: 36):"(تُرفع) قيل: معناه: تُبنى وتُعلى ـ قاله مجاهد وعكرمة ـ ومنه قوله تعالى:" وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ" ( سورة البقرة : 127) ، وقال (صلى الله عليه وسلم):" من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة "( متفق عليه)
القاعدة الثانية: تعظيم المساجد وتطهيرها وصونها عن النجاسات ,كما قال الله عزّ وجل:"
وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ " (البقرة:125) ، وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى العلاقة بين عمارة المساجد وتطهيرها بقوله:" تطهير المساجد مأخوذٌ من هذه الآية الكريمة ومن قوله تعالى:"في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع... ".
القاعدة الثالثة: إخلاص النية لله ,كما قال الله عز وجل :"
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" ( التوبة : 107 _108). قال الشيخ السعدي صاحب كتاب "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان": " أنّ اتخاذ المسجد الذي يُقصَد به الضرار لمسجدٍ آخر لقربه محرَّمٌ، وأنه يجب هدم مسجد الضرار الذي اطلِع على مقصود أصحابه، ".
القاعدة الرابعة: نشر العقيدة السليمة وتصحيح ما يعتريها من الخلل وذلك لأنّ العقيدة الصحيحة أساسُ هذا الدّين؛ فإذا فسدت العقيدة ضاع العمل كلّه، كما قال تعالى:"
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ". )التوبة : 109 ( ورحم الله صاحب الظلال سيد قطب فقد أدرك هذا المعنى، وعبّر عنه بأحسن عبارةٍ في قوله:"إنّ العبادة تعبيرٌ عن العقيدة؛ فإذا لم تصحّ العقيدة لم تصحّ العبادة. وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح، والعمل الواقع الصريح، وبالتجرّد لله في العلم والعبادة على السواء؛ " إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ"
( التوبة:18)
القاعدة الخامسة: التربية على الزهد في الدنيا والتعلّق بالمساجد ,وقد نصّ المفسِّرون على هذا المعنى، كما ذكر القرطبي (رحمه الله) أنّ قوله تعالى: "
رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ " ( النور 36-37), ثناءٌ على من لم تشغلهم التجارة والبيع عن الصلاة، وقال:"خصّ التجارةَ بالذكر؛ لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة".
القاعدة السادسة: نشر العلم النافع والعمل الصالح، والجهاد في سبيل الله ,
حيث كان المسجد مكانا يلتقي فيه المؤمنون بالرسول (صلى الله عليه وسلم) في الصلوات الخمس التي تعتبر راحة لهم وطاعة لربهم ،ثم أصبح للمسجد دوراً كبيراً بتطور كيان الدولة الاسلامية , فقد كان يتم فيه استقبال الوفود التي تأتي لدخول الإسلام وعقد المعاهدات وجمع الأموال اللازمة للصدقات وتمويل الجيوش ويذكر الدكتور سالم سعيد الشامي في كتابه " المساجد ودورها التربوي والاجتماعي " أن الرسول اتخذ المسجد مكانا لعلاج المرضى وإسعاف الجرحى والمصابين في الغزوات واستعمله أيضاً لأغراض أخرى كعقد الزواج والصلح بين المتخاصمين وإقامة الحد والتعبير عن الفرح في الأعياد والمناسبات" , هو باختصار ... دار عبادة وديوان حكم وتصريف أمور المسلمين.


مصادر ومراجع المقالة :
(4) القواعد في عمارة المساجد _
د. محمد عمر دولة






عرفت دور العبادة قديماً في سائر الشرائع الوثنية والسماوية ، فقد كانت المعابد والصوامع والكنائس منتشرة على امتداد تاريخ الحضارة البشرية ، والإسلام مثل هذه الديانات في حاجة إلى دور يتعبد المسلمون إلههم الواحد الأحد . فأول ما قام به سيد الخلق محمد( صلى الله عليه وسلم) حين قدم المدينة المنورة مهاجراً من مكة أنه شرع بإقامة المسجد , فتذكر المصادر أن الرسول الكريم قد اشترى الأرض أولاً من بني النجار " وكانت لغلامين يتيمين ، وأمر بإصلاحها وتسويتها، ثم شرع مع أصحابه رضوان الله عليهم ببناء المسجد، وكان صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة واللبن على بطنه الشريف، حتى تمّ بناء المسجد من الحجارة والطين وسعف النخيل، وكانت أعمدته من جذوع النخيل، وجعلت مساحته 60×70 ذراعاً أي ما يعادل 30×35م تقريباً، وحددت قبلته نحو بيت المقدس _ قبلة المسلمين الأولى _ وتم إنجازه في وقت قصير وصلى فيه المسلمون يؤمهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)".(1)
والمسجد بالكسر اسم لمكان السجود ، والمسجد بالفتح جهة الرجل حيث يصيب السجود ، والمسجد بكسر الجيم الحصير الصغير ، أما المسجد شرعاً فهو الموضع الذي يسجد فيه ، وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : " جعلت الأرض لي طهورا ومسجدا " ( سنن أبي داود).
" وعمارة المساجد حسية ومعنوية، فقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّه واليوم الآخر} ( التوبة:18), ووجه الدلالة: أن قوله (يعمر): دال على العمارة بالبناء، كما دل على العمارة بالعبادة؛ لأن باني المسجد يتقرب إلى الله تعالى ببنائه, كما ورد في السنة النبوية فضل ذلك بحديث عثمان -رضي الله عنه- وفيه: إني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "مَنْ بني مَسْجِدًا, قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بنى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ
" (رواه البخاري ومسلم).
والإنسان المسلم أقام حضارته من علم وفن وعمارة على أساس الإيمان المطلق بالله عز وجل ، فكانت عمارته للمساجد اتسمت بالمثالية والسمو نحو المطلق، في اتجاه قبلة المساجد في العالم كله نحو نقطة واحدة هي الكعبة الشريفة، ذلك الرمز التوحيدي الذي مثل هوية معمارية واحدة على اختلاف المكان والتاريخ .(2)
مصادر ومراجع المقالة :
(1) التاريخ الشامل ـ د. عبدالباسط بدر 1/141
(2) فنون العمارة الإسلامية وخصائصها في مناهج التدريس _ د.عفيف البهنسي










توقف اهتمامي بأمر مساجد الكويت القديمة حتى أسرني يوما حنينها حين مررت على مسجد سعيد العطيبي في منطقة جبلة مقابل غرفة تجارة وصناعة الكويت بمبناه القديم لأجد أعمال الترميم قائمة له من قبل الأمانة العامة للأوقاف في مشروع كبير وهو صيانة وترميم المساجد التراثية حيث شكلت لجنة لتأهيلها برئاسة نائب الأمين العام للشئون الوقفية وعضوية ممثلين عن بلدية الكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب [الجهة المعنية بالآثار] وبحضور خبير من منظمة اليونسكو الذي زار الكويت مرتين وقام بدراسة ميدانية عن المساجد وذلك كخطوة أولى لاتخاذ القرار بشان صيانتها وتأهيلها جميعا فصنف50 مسجدا تراثيا في مختلف مناطق الكويت تتراوح فترات بنائها بين القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن العشرين ليبدأ مشروع التأهيل بعد عام 1995م لمساجد الكويت القديمة التي صنفت من أهم الآثار المعمارية التي لم تطلها معاول الهدم والبناء العمراني الحديث .
وما أن انتهت أعمال الترميم كنت من أوائل الناس الذين فرحوا بانتهاء المشروع فأعادني ذلك كله إلى رسم تلك المساجد الجميلة التي ارتأيت أن أقدم ما تيسر منها ضمن بحث أتناول فيه بإيجاز عن تاريخ عمارة المساجد منذ عهد الحبيب محمد (صلى الله علية وسلم) الذي خط منذ إقامة مسجده الشريف أسس عمارة المساجد التي تطورت إلى طرز معمارية فريدة أصبحت تشكل فيما بعد الرؤيا الكاملة لمنهج الفن الإسلامي الذي استمد قوامه من توحيد العبادة لله الواحد الأحد وتوحد القبلة باتجاه بيت الله الحرام في مكة المكرمة , بأوقات صلاة موقوتة , تستوي الأفئدة المؤمنة عبر صفوف منتظمة تشبه قيامها قيام أعمدة المسجد الكثيرة خلف منارة الإمام تركع لله كشكل الأقواس المتعاقبة والعقود الجميلة, وتسجد لله حبا وتذللا كالقباب الملونة تتلو آيات الحق وتسبح بحمده كزخرف الخط الجميل الذي زين محراب الصلاة وجدران المسجد .







كنت ومازلت بأيام الشتاء الجميل أوقف سيارتي في الساحة الترابية المقابلة لمسجد الساير الشرقي في منطقة جبلة لأصلي صلاة العصر جماعة في ذلك المسجد العتيق الذي ولدت بالقرب منه في بيت طيني صغير بعد أن انتقل أبي من جزيرة فيلكا في أوائل الستينات , وبعد صلاة الجماعة أجلس بهدوء في المسجد متأملا أعمدته البيضاء وسقفه المتواضع وشبابيكة الخشبية ومحرابه المزخرف ,كم يسكنني الخشوع في هذا المسجد والذي أفتقده في بقية المساجد الحديثة التي احترفت للأسف تطاول البنيان والإشكال الغريبة وزخرفة العمارة على غير هدى أو بصيرة , فضلا عن استخدام شبابيك الألمنيوم اللامع وألوان من السجاد التي تتلألأ وهجا حين تعكس إضاءة المسجد العالية على كل ركن وزاوية, فتشعر وكأنك في مستوصف عصري لا مسجد عبادة ؟؟ ليفقد ذلك كله قدسية المكان وخشوعه, أجلس من الوقت مسبحا بذكر الله وبحمده لأخرج بعد ذلك راجلا في جولة إلى المساجد القريبة من مسجد الساير أو التي عمرت في أسواق المباركية ومنطقة شرق ,أحرص على المرور عليها ألتف حولها وأتأمل جمال عمارتها القديمة التي تسكنها البساطة في حجم المبني ,ومنارات قائمة موحدة الله عز وجل أكثرها ذات شرفة واحدة لا يتجاوز ارتفاعها العشرين مترا , حيث كان يتم بناء تلك المساجد في الماضي من الطين والصخر وتسقف من الجندل والباسجيل وكذلك من البواري وهي نوعية من الحصران السميكة , والبناء كان يتم بأيدي كويتية خالصة دون مقابل في أغلب الأحيان سعيا وراء الأجر والمثوبة حيث يحرص أهل الكويت كما تذكر المصادر على بناء المساجد قبل إنشاء دائرة الأوقاف في خمسينيات القرن الماضي , فبعد أن يتفق أبناء الحي (الفريج ) على بناء المسجد يتولى من يثقون به وبمكانته الاجتماعية جمع التبرعات من مصادرها التي يجود بها أهل الخير وأكثرها ممن كانوا يوصون به من أموال الأثلاث والأوقاف , فيلاحظ إن معظم مساجد الكويت القديمة اتخذت أسمائها ممن بذل ماله في بناء المسجد أو ساهم بالجزء الكبير من تكلفته كما عرفت أسماء بقية المساجد من قام بالإمامة فيها أو لوقوعها في حي عرف باسم أشهر عوائله الكريمة .

..وكان لحبي الأصيل لتلك الأماكن المباركة ترجمان وبيان حين قررت أن أرسم وأكتب ما تيسر حول تاريخ بناء تلك المساجد وأشهر من قاموا عليها من إمامة وآذان للصلاة, فنشرت الحلقة الأولى في ملحق القبس الملون عام 1987 بشكل أسبوعي وعلى الرغم من صغر الزاوية إلا أنها لاقت الصدى والقبول من القراء, لاستمر بتلك الزاوية أشهرا عدة حتى ناداني يوما الأستاذ يوسف السميط كبير محرري القبس وقال لي: "أخ علي المعلومات الذي تذكرها في زاوية مساجد الديرة من أين تأتي بها" فقلت له من مصدرين من أرشيف القبس في مركز المعلومات ومن كتاب "تاريخ مساجد الديرة القديمة" للباحث عدنان الرومي , فقال: " بعض الإخوة في مجلس إدارة القبس أبدوا اعتراضا على بعض المعلومات التي أوردتها بشأن بعض المساجد ..؟؟ ولكي نبعد عنا الحرج اذكر مصادر المعلومات" ,أجبته بالإيجاب وكانت المقالة الثانية ذيلت بوضوح مصدر المعلومة إلا إنني استدعيت مرة أخرى من قبل الأخ يوسف السميط وقال لي : "خوي علي أطلب منك أن تتوقف عن الكتابة عن مساجد الكويت القديمة " ؟؟ شعرت بالحزن الكبير من هذا القرار الذي لم أستوعب تفاصيله وأسبابه بالشكل الكامل إلا أنني أدركت أن التاريخ متعدد الآراء؟؟








تعتبر مئذنة جامع عقبة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في أفريقيا. وتعد جميع المآذن التي بنيت بعدها في بلاد المغرب العربي على شاكلتها ولا تختلف عنها إلا قليلا، ومن المآذن التي تشبهها مئذنة جامع صفاقس، ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين، هذا غير بعض مآذن مساجد الشرق كمئذنة مسجد الجيوشي في مصر.
تتكون المئذنة من ثلاث طبقات كلها مربعة الشكل، والطبقة الثانية أصغر من الأولى، والثالثة أصغر من الثانية، وفوق الطبقات الثلاث قبة مفصصة. ويصل ارتفاعها إلى 31.5 متراً.
تقع المئذنة في الحائط المواجه لجدار القبلة في أقصى الصحن المكشوف، وضلع طبقتها الأولى المربعة من أسفل يزيد على 5.10 أمتار مع ارتفاع يضاهي 19 مترا، وتم بناء الأمتار الثلاثة والنصف الأولى منه بقطع حجرية مصقولة، بينما شيدت بقيتها بقطع حجرية مستطيلة الشكل كقوالب الآجر.
والطابق الثاني من المئذنة مزين بطاقات ثلاث مغلقة ومعقودة في كل وجه من أوجه المنارة، في حين زين كل وجه من أوجه الطابق الثالث بنافذة حولها طاقتان مغلقتان، ويوجد في أعلى الجدار الأعلى من كل طابق شرفات على هيئة عقود متصلة ومفرغة وسطها.
يدور بداخل المئذنة درج ضيق يرتفع كلما ارتفع المبنى متناسبا مع حجمه حيث يضيق كلما ارتفع لأعلى. ويعتقد أن هذه المنارة لم تبن دفعة واحدة، فالجزء الأول الأضخم منها بني في عهد الخليفة الأموي
هشام بن عبدالملك أيام واليه على القيروان بشر بن صفوان، ثم أكملت عملية البناء بعد مدة طويلة حيث بني الجزءان الثاني والثالث فوق تلك القاعدة الضخمة.
تجولت بالمسجد وحيدا دون دليل سياحي يرشدني إلى معالمه فاستغربت الأمر كثيرا , ذهبت بعدها فتوضأت ثم صليت تحية المسجد وتأملت كثيرا المنبر الخشبي الذي أقيم سنة 248هـ والذي اعتبرته دراسة اليونسكو من أقدم المنابر الإسلامية التي سلمت من تقلب الأزمان وهو مصنوع من خشب الساج ويشتمل على ما يربو على 300 لوحة تحمل زخارف نباتية وهندسية بديعة وتعبر عن تمازج التأثيرات البيزنطية والإيرانية وتوحدها في روح إسلامية.
غادرت المسجد إلى بيوت المدينة المجاورة للمسجد ماشيا بين أزقتها وانأ متعجب أمر عمارتها الذي لا يختلف عما تختزنه الذاكرة, وفي الطريق استوقفني سلام رجل واقف أمام بيته مرحبا بي وسألني من أي البلاد أنا فأجبته من الكويت فقال :ماترى في بيوت القيروان؟ فقلت إنها مثل بيوت الخليج لا تختلف في عمارتها ولا شكلها فابتسم قائلا: يا أخي إن من أقامها هم أجدادنا العرب الذين جاؤوا من الجزيرة العربية بصحبة القائد عقبة بن نافع فتوارثناها أبا عن جد ونحن فخورون بشكلها وألوانها.
لم أمل من التجوال والتقاط الصور حتى ناداني السائق محمد باستعجال الأمر فنحن ما زلنا بأول المدينة المعروفة بأسواقها وأسوارها وصناعتها التقليدية وسجادها القيرواني , واصطحبني معه بجولة داخل السوق والمساجد والبيوت والبوابات , انتهى الوقت ونحن لم ننته من قيروان القديمة لتنطلق السيارة مسرعة إلى حيث ما طلبته ضمن رحلتي وهو زيارة مدينة سوسة التي تقع في الوسط الشرقي للبلاد التونسية. حيث تعرف بـ"جوهرة الساحل".
والتي أسسها الفينيقيون في الألف الأولى قبل الميلاد وتغير اسمها مرات فقد أطلق عليها الفينيقيون اسم حضرموت لما لاحظوا التشابه بين سواحلها وسواحل منطقة حضرموت الموجودة في اليمن والتي ما زالت تحمل هذا الاسم إلى الآن. وسميت جوستينا وهو اسم الإمبراطور البيزنطي الذي احتلها.
وسماها المسلمون بعد ذلك سوسة ,وقد اهتم بأمرها أمراء الاغالبة فبنوا المساجد ودور العلم التي يفد إليها الطلاب من كافة بلاد
المغرب والأندلس. وانتشرت بها الرباطات وهي عبارة عن أماكن للعبادة ومراقبة السواحل خوفا من إغارة البيزنطيين على السواحل الإسلامية. وكانت الرباطات تعج بالعلماء والعباد من الرجال الذين يداومون على قراءة القرآن والحديث النبوي ويكثرون من التنفل ويضيفون إلى ذلك مراقبة الشواطئ ليلا نهارا.
وصلت إلى سوسة بعد أن بلغ مني تعب السفر أمره والجوع مهلكه فطلبت من السائق أن نأكل" الكوسكسيه" فقال أمرها سهل في السوق القديم حيث اعرف مطعما يقصده المواطنون والسياح لطيب أكله فذهبنا إليه على عجل فجلسنا في المطعم التي سبقت رائحة طبخه منظره فجلسنا على كراسيه الخشبية ننتظر وننظر بصمت إلى بساطة المطعم العتيق وأكلنا ما لذ وطاب وشبعنا بحمد لله, لأنطلق بمزاج تعكر صفوه حين انطفأت الكاميرا دون سابق إنذار أو تنبيه للبطارية الفارغة, تجولت في الحواري والازقه أرقب أسوار سوسة القديمة واتامل من خلالها منظر السائق محمد الذي جلس بالقرب على الشاطئ متأملا بسيجارته ..فدنوت منه وسألته : كم من الوقت بقى ؟؟ قال : قليل فلنبكر العودة قبل المغيب ,فأجبته : أنت مثلي تحب البكور بكل شيء قال : نعم إلا أنني سبقتك بأمر زواجي وعمري بسن العشرين وأنت بالأربعين من عمرك ما زلت عزبا ؟؟ تنهدت وقلت : حسبي الله على زليخة , حسبي الله على زليخة ؟؟ نظر إلي السائق ولم يعلق.






في الصباح الباكر كنت بانتظار السائق الذي كان هو أيضا بانتظاري فسألته عن القدوم المبكر فقال إن الطريق طويل ولدينا مدن أخرى غير القيروان , أليست هذه رغبتك ؟؟ قلت: بلى . قال : هيا إذن فالبكور بركة ,فركبنا السيارة الصغيرة وانطلقنا إلى مدينة القيروان التي يعود تاريخها إلى عام 50 هـ منذ أن دخل الإسلام تونس في القرن السابع بعد الميلاد حيث تعرف باسم رابعة الثلاث بعد مكة المكرمة، والمدينة المنورة والقدس الشريف، ذلك لأنها أقدم وأول مدينة إسلامية، وقد بناها القائد المجاهد عقبة بن نافع لتكون قاعدة لنشر الإسلام في المغرب العربي وإفريقيا , وأطلق عليها اسم القيروان ومعناها في اللغة العربية(القافلة).
اختار القائد عقبة موقع القيروان المدينة على أساس حاجات إستراتيجية واضحة, بعيدا عن البصر في وسط البلاد ولئلا تمر عليها مراكب
الروم فتهلكها, فخط بعصاه على الأرض حدود المعسكر وشيد فيها دار الإمارة، والمسجد الجامع وشق بعد ذلك طرق البيوت والأسواق, وكان للقيروان سور له 14 باباً، وقد لعبت دورا كبيرا في بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فمنها انطلقت جيوش الجهاد مع أئمة الدعوة، لنشر الإسلام وتعليم العربية.
وصلنا بسلامة الله تعالى بعد أن قطعنا الطريق الزراعي فأيقنت صدق مقولة تونس الخضراء ,التي هي خضراء بالفعل فري الزراعة أغلبه من المطر والأرض الحمراء صالحة لكل الحبوب والفواكه وكما أخبرني السائق محمد: أن تونس يا أخي لا تستورد قوتها من الخارج, فحمدت الله على ما سمعت وأيقنت برؤيا العين أمر التمنية في البلد الشقيق.
قدمنا القيروان وتوقفنا عند مسجد له تربيعة الشكل تشبه مسجد عقبة بن نافع فظننته هو فصحح السائق ما اعتقدت : تفضل يا أخ علي للسلام على صحابي رسول الله أبو زمعة عبيد بن أرقم البلوي، من
أصحاب الشجرة, توفي خلال الفتوحات الإسلاميّة لإفريقيّة في غزوة معاوية بن حديج وذلك إثر معركة ضدّ الجيوش البيزنطيّة قرب عين جلولة ( 30كم غرب القيروان ).
نزلنا إلى صحن المسجد ثم إلى رواق وغرفة استظل تحتها الضريح الذي بناه
حمودة باشا سنة 1072 هـ/1663م إكراما لمن كان يحمل معه شعيرات من الرّسول (صلى الله عليه وسلّم)، ويلقّبه أهل القيروان بـ"صاحب الشعرات".. ثم انطلقنا إلى مسجد عقبة بن نافع المهيب ببنيانه وعلو منارته فاستقبلتنا مقابر المسلمين الأوائل بجوار المسجد فاستشعرت جهاد الأولين وعظم ما قاموا به من فتوحات مباركة, ثم دخلنا باليمين المسجد الذي عد يوما أكبر مسجد في أفريقيا السوداء إلى أن بنى الملك الحسن الثاني مسجده الكبير في المغرب دخلت المسجد الذي تذكره مصادر التاريخ حين إنشائه على أغلب الظن أنه كان بسيطاً صغير المساحة تستند أسقفه على الأعمدة مباشرة، دون عقود تصل بين الأعمدة والسقف.فحرص الذين جددوا بناءه فيما بعد على هيئته العامة، وقبلته ومحرابه، فكان أول من جدد بناء الجامع بعد عقبة هو حسان بن النعمان الغساني الذي هدمه كله وأبقى المحراب وأعاد بناءه بعد أن وسعه وقوى بنيانه وكان ذلك في عام 80 هـ.
ثم أمر
هشام بن عبد الملك من واليه على القيروان بشر بن صفران بأن يزيد في بناء المسجد ويوسعه، فقام بشراء أرض شمالي المسجد وضمها إليه، وأضاف لصحن المسجد مكانا للوضوء وبنى مئذنة للمسجد في منتصف جداره الشمالي عند بئر تسمى بئر الجنان. وبعدها بخمسين عاما (155 هـ) قام يزيد بن حاتم والي أبي جعفر المنصور على أفريقية بإصلاح وترميم وزخرفة المسجد.وفي عام 221 هـ قام ثاني أمراء الأغلبيين زيادة الله بن الأغلب بهدم أجزاء من الجامع لتوسعته كما قام برفع سقفه وبنى قبة مزخرفة بلوحات رخامية على اسطوانة المحراب. وقد أراد زيادة الله أن يهدم المحراب إلا أن فقهاء القيروان عارضوه وقالوا له: «إن من تقدمك توقفوا عن ذلك لما كان واضعه عقبة بن نافع ومن كان معه». فقال أحد المعماريين: «أنا أدخله بين حائطين فيبقى دون أن يظهر في الجامع أثر لغيرك»، فأخذ بهذا الرأي وأمر ببناء محراب جديد بالرخام الأبيض المخرم الذي يطل منه الناظر على محراب عقبة الأساسي.ثم زين الأمير أحمد بن محمد الأغلبي المنبر وجدار المحراب بلوحات رخامية وقرميد خزفي. وفي عام 261 هـ قام أحمد الأغلبي بتوسعة الجامع وبنى قبة باب البهو وأقام مجنبات تدور حول الصحن, في هذه المرحلة يعتقد أن الجامع قد وصل إلى أقصى درجات جماله.






قررت السفر إلى تونس الخضراء فقلد استهوتني صور عمارتها العتيقة في منطقة سيدي بوسعيد تلك الأزقة الضيقة والبيوت البيضاء الجميلة والأبواب الملونة والمشربيات الصغيرة الزرقاء, وكان الذهاب لأمر استكمال بحث "الظل والحرور" على امتداد المنطقة العربية بدءا من الكويت ثم القاهرة وتونس دافعا آخر للسفر في شهر سبتمبر 2006, فتم الوصول إليها من مطار القاهرة وكان الوقت ليلا متأخرا فقدمت " النزل " وهو ما يطلق على الفندق فبت الليل استعدادا لجولة الصباح التي بدأت بزيارة مدينة قرطاج القديمة التي تأسست عام 814 قبل الميلاد على يد الملكة" عليسة " كما أورد دليل الآثار التونسي أسطورتها, فعليسة بعد أن خاصمت أخاها على الملك غادرت موطنها الأصلي بلبنان حيث أرست سفينتها على ساحل إفريقية و نزلت الأميرة ففاوضت حاكم البلاد البربري لمنحها أرضا تبني عليها مدينتها غير أن الملك أبى أن يمنحها أكثر من مساحة جلد ثور فقبلت عليسة ذلك أمام دهشة مرافقيها،إلا أنها كانت تضمر خطة ذكية ستمكنها من بلوغ غايتها وتأسيس واحدة من أشهر المدن عبر التاريخ, مدينة قرطاج....قامت عليسة بقص جلد الثور إلى أشرطة دقيقة طويلة أحاطت بها الهضبة التي تعرف حتى الآن بهضبة (بيرصا) وهي تعني بلغة السكان الأصليين (جلد ثور) و كانت تلك نقطة الانطلاق لبناء حضارة متطورة قائمة على الملاحة والتجارة بين شرق البحر الأبيض المتوسط وغربه...
وفي سنة
753 ق.م برز كيان جديد في شبه الجزيرة الإيطالية ودخلت روما حلبة الصراع منافسة قرطاج، مما أدى إلى نشوب سلسلة من الحروب (سنة 264 ق.م) سجلها التاريخ تحت اسم الحروب البونيقية ولعل أشهرها حملة حنبعل الذي قام بعبور سلسلتي البيريني والألب بفيله (218 ق.م202 ق.م) انتهت هذه الحروب البونيقية بهزيمة القرطاجيين وخراب عاصمتهم وقام الرومانيون بإنشاء "أفريكا" أول مقاطعة رومانية بشمال إفريقيا وذلك سنة 146 ق.م وكان سقوط قرطاج في أيدي الرومان في أواسط القرن الثاني قبل الميلاد بداية للهيمنة الرومانية التي امتدت 700 سنة. وازدهر أثناءها العمران والزراعة حتى غدت تونس تعرف "بمطمورة روما". وخلال القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد تقلصت الهيمنة الرومانية تاركة مكانها للفندال والبيزنطيين.
انتهينا من آثار قرطاج التاريخية وصعدنا مسرحها الروماني الذي بات الآن يشكل علامة بارزة في المهرجانات الغنائية العربية لننتقل إلى منطقة سيدي بوسعيد القريبة والتي رعتها الدولة التونسية خير رعاية بقوانين صارمة حافظت على معالمها فأمرت أصحاب البيوت الجميلة بألوان عانقت بياض الغيوم الناصعة ولامست زرقة أمواج البحر التي تطل عليه من أعالي منحدرها الصخري , تمثل مكانا سياحيا رائعا يقصده سواح العالم , خاصة التي تقلهم السفن الكبيرة من أوروبا, فتراهم يتزاحمون معك أزقتها الضيقة ويحتسون الشاي بالمقاهي المطلة على خليج تونس وجبل بوقرنين ,ويبتاعون التحف والهدايا من المتاجر الصغيرة التي لم تختلف ألوانها عن ألوان البيوت القديمة ,منطقة سيدي بوسعيد تذكرها المصادر بأنها قرية صغيرة يعود تأسيسها الى القرون الوسطى، يقطنها حوالي 5000 شخص شيدت حول قبة شيخ صوفي يدعى " أبو عيد البيجي "أوائل القرن الثالث عشرالميلادي، وهو الشخص الذي سميت عليه القرية. إلا أن الأساطير في المنطقة تقول إن هذا الشيخ الصوفي لم يكن سوى ملك فرنسا لويس التاسع الذي اختلق قصة وفاته عقب حصار تونس واعتنق الإسلام وآثر أن يعيش بقية حياته في هذه القرية الهادئة فأصبحت الأسطورة وجمال القرية الساحر مصدرا لإلهام أجيال من الكتاب المشاهير والفنانين، ويؤكد أهلها للزائر أن عددا لا يحصى من الكتاب والفنانين جاب حواريها وأزقتها الضيقة، بمن في ذلك بول كلي وغوستاف فلوبيرت وأندريه جيد وسيرفانت.
تجولت بها ماشيا تحت زخات المطر المنهمرة التي بعثت في نشوة غائبة إلا أنني التفت إلى السائق محمد قلت له: هذا يوم نحسي؟؟ فتعجب من قولي وأنا من ترسم على وجهه علامات الفرح والسعادة وبادرته :أنا أريد الشمس لأقوم بالتقاط الصور والجو كما ترى غائم شديد السواد فابتسم قائلا: أنت لا تعرف جو البحر المتوسط فهو متقلب كمياه ساعة "هكا وساعة هكا ", وفعلا ما أن انتهيت من جولتي بسيدي بوسعيد وارتشفت الشاي بالبندق في المقهى الصغيره حتى شرقت الشمس وزاحت الغيوم وكأن شيئا لم يكن فجمال رحلتي لن يكتمل إلا برسم صور الظل والحرور في مدينة سيدي بوسعيد الجميلة.






تحت عنوان »خمسون عاما من العطاء والتضحية والفداء« يكتب الدكتور عبدالمالك خلف التميمي عن دور سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح إبان محنة الغزو العراقي لدولة الكويت في أغسطس عام 1990م، في تأصيل الشرعية الكويتية المتمثلة بالأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح والعمل الجاد على تحرير الوطن من براثن الاحتلال العراقي، فيذكر (بتصرف):" أثناء زيارته إلى المملكة المتحدة ولقائه مع أبناء الكويت في لندن في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1990م طرح فكرة انعقاد المؤتمر الشعبي... وحتى عودته إلى الطائف عرض الفكرة على حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله فباركها وأيدها، وبدأت الإجراءات لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر وقد باشر سموه حفظه الله جميع الإجراءات بنفسه بدءاً من الاجتماع مع اللجنة التحضيرية وإعداد جدول الأعمال ومقابلة بعض الشخصيات الكويتية التي ستحضر المؤتمر وتوضيح فكرة المؤتمر والاتفاق على شعار المؤتمر وصولاً إلى إصدار الدعوات إلى جميع المشاركين، فرفع المؤتمر شعاره " التحرير شعارنا... سبيلنا... هدفنا " وقد ألقى حضرة صاحب السمو أمير البلاد الراحل كلمة الافتتاح وكذلك ألقى سمو الشيخ سعد العبدالله رئيس المؤتمر كلمة في اليوم الأول ثم ألقى سموه كلمة في ختام المؤتمر ثم صدر عن المؤتمر بيان ختامي يشمل تسعة عشر بندا ثم تكونت لجنة من تسعة وعشرين عضواً بدعوة لتشكيل هيئة استشارية عليا يرأسها سموه لمتابعة تنفيذ التوصيات والقرارات التي صدرت عن المؤتمر".عمل دؤوب شكل الاختبار الأقسى لمعدن رجال القيادة التنفيذية في الكويت، فكان الشيخ سعد من أبرز شخصيات الكويت التي تولت مسؤوليات جساما ومهمات صعبة، استطاع فيها أن يجمع قلوب الكويتيين جميعا على حب الوطن والذود عن حياضه وبذل الغالي والنفيس في سبيل حريته وسيادته.يسعى دوماً لخير الناس وصالح العرب، فالجميع يستذكر مواقفه في محنة قاسم العراق بعيد الاستقلال حين وقف بجانب والده الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم من على شرفة قصر السيف يحث أهل الكويت والجموع المتظاهرة على حب الوطن والفداء له.ثم يقف بكل صلابة خلف أخوه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح إبان الاعتداء على موكبه ومحاولة اغتياله، ثم فداءه البطولي لياسر عرفات حين اشتدت نار الفتنة بينه وبين ملك الأردن، فلم يتردد الشيخ سعد في زيارة الأردن ضمن اللجنة التي شكلتها القمة العربية الطارئة مخترقا خطوط النار بين الطرف الفلسطيني والأردني ليصل إلى عرفات وينقذه بعد أن أرغمه سموه على ارتداء ثوبه (دشداشته).عرفته المصادر التاريخية بأنه الابن الأكبر للشيخ عبدالله السالم الصباح، ولد عام 1930م وتلقى تعليمه العام في المدرسة المباركية في الكويت ثم سافر إلى بريطانيا عام 1951م حيث التحق بكلية هندون العسكرية ثم نال دورات متخصصة في شوون الأمن والشرطة.تدرج في مختلف المناصب في جهاز الشرطة والأمن حتى عين نائباً لرئيس الشرطة العامة التي كان يتولى المرحوم الشيخ صباح السالم الصباح رئاستها واستمر في هذا المنصب إلى عام 1959م ثم ضمت الشرطة للأمن العام وتولى الشيخ سعد منصب نائب رئيس الشرطة والأمن العام عندما كان يتولى رئاستها المرحوم الشيخ عبدالله المبارك الصباح. عين وزيراً للداخلية يوم 17 يناير عام 1962 في أول تشكيل وزاري في ظل الدستور، وفي عام 1964 أسندت إليه وزارة الدفاع بالإضافة إلى وزارة الداخلية، وزكى ولياً للعهد يوم 31 يناير 1978 وكلف بتشكيل الوزارات وترأسها أعواما.يعد الشيخ سعد العبدالله من صانعي السياسة الكويتية في مجالي الأمن والدفاع، فهو أول وزير للداخلية وثاني وزير للدفاع في ظل الدستور الذي ساهم بوضع مواده، عرف عنه تمتعه بإحساس عميق بالمسؤولية وعاطفة صادقة وثقافة واسعة، يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ويهوى الشعر ويقرأ في كتب الأدب والتاريخ والفنون العسكرية والخطط الاستراتيجية، وكذلك عرفت عنه شعبيته الجارفة بين أبناء الكويت , فكان دائماً قبل مرضه حريصاً على الالتقاء بهم، فديوان سموه في قصر الشعب مفتوح يوم الاثنين من كل أسبوع يستمع إلى شكواهم ويتخذ ما يناسب من قرار.أحبه أهل الكويت بصدق فبادلوه مشاعر الحب والوفاء، فعند عودته من رحلة العلاج عام 1997م خرجت الكويت عن بكرة أبيها منذ منتصف النهار في ظاهرة غير مسبوقة على الإطلاق يسألون الله الكريم أن يمن على "أبوفهد" موفور الصحة والعافية إنه ولي ذلك والقادر على كل شيء.






كنت يوما في منتجع اندونيسي في مدينة بغور الجبلية ..فأصبحت باكرا ذاكرا لله وحده..لأخرج بعد ذلك من غرفة الكوخ الخشبي ,متجولا في حديقة المنتزة التي لم ترى عيني قط جمال خضرة كجماله , فحرت من أين أبدا طريقي ,هل إلى النهر القريب الذي لا يبعد عني سوى أمتارا قليلة أم إلى الشلال المنهمر وحوض الماء الذي يسقيه وبلحظة القرار مرت أمامي فراشتين جميلتين يداعب كل منهما الآخر في مرح وسرور , فتتبعتهما مستمعتا بشكلها الأصفر الزاهي كأنهما وردتين حلقتا في الفضاء يتطايرا حبا وعذوبة ,حلقتا مسافة ثم حطتا على غصن مزهر, دنوت منهما فدنو من بعضهما , حاولت عبثا أن أفرقهما حين لوحت بيدي لكنهما ظلا ملتصقين ودودين لم يأبهان بما صنعت , حلقتا مرة أخرى ولعبا من حولي وانا اتامل ذلك الزوج البهيج كيف سكنه الحب والود الجميل كأنهما أرادا حين دنو مني أن يهمسا برسالة نصح بالغة تقول بحب كبير :ماذا تصنع هنا وحدك أيها العازب الوحيد ,فانك مهما سافرت بعيدا إلى بلاد الله الواسعة لن تنعم بجمال الدنيا وزينتها,لان الحياة بغير الأزواج وحشة هالكة والحب فيها عنوان رحمة صادقة وسكن لمن تاه دربه في الدنيا؟؟ انظر إلينا والى أرواحنا كيف ذابت شوقا وحبا فينا حتى وان افترقنا إلى ذكر وأنثى لكننا في النهاية نشكل نفس واحدة خلقت لتحب وتنجب وليكتمل فرحها في سعادة ابدية دائمة ؟؟..أنصت إلى همس الفراشتين ونظرت إليهما بصمت وسكنني حينها الخوف وقلت لنفسي : ماذا تراني اصنع هنا وحدي في هذا الجنة الفردوسية دون حبيبة يرف لها القلب وتسكن لها المودة ؟؟ لكن مشهد الصمت لم يطل حين هز المكان صوت الرعد الكبير فرفعت راسي إلى السماء لأنظر واذا بسحب ركامية أتت من بعيد ؟؟انهمر مطرها فجأة ؟؟غادرت الفراشتين وعدت مسرعا إلى كوخي الصغير محتميا من المطر الغزير الذي لم اعرف سبب مجيئه في ذلك اليوم الصحو الجميل ؟؟ غادرت المكان لأعود الى الكويت .
عدت لأرسم وارسم, وارسم لوحات معرضي الأول فرسمت من اللوحات ما أردت أن أبينه للناس جمال المنتاقضات ؟؟ فرسمت يوما وبدقائق معدودة تلك الفراشتين في فضاء اللوحة الابيض ؟؟
علقت اللوحة في يوم المعرض في الزاوية البعيدة وانشغلت بالافتتاح مرحبا وشاكرا لكل من حضر وبعد ساعة من الزمن أتاني زوجين رائعين عرفا بنفسيهما ثم طلبا بأدب لوحة الفراشتين فسالت عن سبب اختيارهما لتلك اللوحة فقالا :لنا قصة حب أردنا أن نتممها بلوحتك المعبرة هل نستطيع اقتنائها؟؟ أجبتهما باسما :بالطبع ؟؟وكنت فرحا إنا أيضا لان الرسالة وصلت مبلغها من العلم والفن ,,غادر الحضور وبقيت وحدي في المكان متوحشا أرضه فأوصدت باب المعرض الصغير لأنظر إلى السماء وإذا هي ملونة بغيوم سوداءة كريهة نتنة , تنذر بعواصف كبيرة أحاطتني من كل جانب ينهمر مطرها الأسود علي دون رحمة ..دون رحمة ..دون رحمة ؟؟, بلل المطر ثيابي وسود حياتي حين سرقت تلك الغيوم المتصابئة فرح عمري وسنوات شبابي طال صبري وطال انتظاري إلى الحلم الغائب الآتي ؟؟ فرفعت يدي إلى السماء مناجيا الهي بدعاء خفي : اللهم انك تعلم بحالي وأنت ارحم الراحمين.. كتبت آجالنا وأقدارنا بعلمك ونورك العظيم ونحن لك يارب مسلمون مؤمنون موحدون ..الهي لا أسالك من هذه الفانية إلا زوجة على سنة الله ورسوله فانك وحدك تعلم إن حلمي كان منذ سنوات دراستي الجامعية زوجة صالحة لا بقرة صارفة اللهم تتم فرحي اللهم تتم فرحي وأكمل نصف ديني يا ولي الصابرين .








يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في مقاصد العمل الخيري في الشريعة الإسلامية "إن الحق والخير قيمتان من القيم العليا التي تحرص عليها كل أمة راشدة، وكل ديانة سماوية أو فلسفة أرضية، بأن يعرف الناس الحق ويعتنقوه، وأن يحبوا الخير ويفعلوه...والخير قد يذكر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية بلفظ (الخير) نفسه، وقد يذكر بألفاظ أخرى تحمل مضمونه؛ مثل: البر، والإحسان، والرحمة، والصدقة، وتفريج الكربة، وإغاثة الملهوف، وغير ذلك..,فأتى بصيغ شتى، بعضها أمر به أو ترغيب فيه، وبعضها نهي عن ضده أو تحذير منه، بعضها مدح لفاعلي الخير، وبعضها ذم لمن لا يفعل فعلهم، بعضها يثني على فعل الخير في ذاته، وبعضها يثني على الدعوة إليه، أو التعاون عليه، أو التنافس فيه" .فأمر فعل الخير جاء صريحا بقوله تعالى :"وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الحج: 77]، ، لأن فعل الخير كما يرى الإمام الرازي في تفسيره " ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة على الفقراء وحسن القول للناس فكأنه سبحانه قال كلفتكم بالصلاة بل كلفتكم بما هو أعم منها وهو العبادة بل كلفتكم بما هو أعم من العبادة وهو فعل الخيرات".
وأهل الكويت منذ تاريخ ضنك العيش في بلادهم الصغيرة إلى سعة الرخاء بما انعم الوهاب عليهم من نعمة النفط اتبعوا الحق وآياته وسنة نبيهم وأفعاله , فكانوا كما ذكر الأستاذ حمد السعيدان في كتابه الموسوعة الكويتية" يؤمنون إيمانا عميقا بان لكل حسنة أجرا من الله ومثوبة في الآخرة فهم يساعدون الضعيف والعاجز طمعا في الحصول على الأجر من الله ويعطفون على الحيوان ويشاركون في الجنازة ويسعون للمساهمة في حملها دون أن يعرفوا من المتوفي " ويقول المؤرخ أحمد البشر الرومي في كتاب "رجال وتاريخ " : أيام زمان كان الكويتيون كلهم إخوة وكانت مساعدة الكويتيين لأي كويتي ليس فيها أي نوع من الجميل بل هي حق للآخرين فإذا غرقت سفينة من سفن الكويتيين كانوا جميعا يساهمون في إيجاد سفينة تكون خيرا من الأولى ".
فأعمال الخير التي سنها أهل الكويت قديما وحديثا عديدة نابعها الإيمان والحب والبذل في سبيل الله لا يبتغون جزاءا ولا شكورا فاغلبهم كان يعملها بصمت وتكتم لا يطلع عليها احد, حسبهم الأجر والمثوبة من الله عز وجل فأياديهم البيضاء ساهمت في تأسيس العديد من المبرات والجمعيات الخيرية التي علا صوتها خفاقا فأصبح العمل الخيري وساما يزدان به أهل الكويت شرقا وغربا في بلاد ارض الله الواسعة فكانت صنائع معروفهم أمرا جليا في كشف البلاء عمن أصاب الكويت وأهلها من محن كبيرة .
ومنذ أكثر من عام سجل العمل الخيري لفتة كبيرة بتبرع جليل لسمو الشيخ سالم العلي الصباح حفظه الله ورعاه بمبلغ سخي قدره 100 مليون دينار خصصه سموه لتوزيعه على الكويتيين المستحقين من خلال مؤسسة بيت الزكاة , حيث خصص المبلغ كما أعلن مدير عام لجنة إدارة التبرع بالبيت السيد محمد المخيزيم على ثلاثة برامج للمساعدة الأول برنامج تكريم الشهداء بميزانية تقديرية تبلغ 20 مليون دينار والبرامج الثاني خصص لمعالجة أوضاع حالات الضبط والإحضار والأحكام النهائية بميزانية تقديرية 43 مليون دينار أما البرنامج الثالث فكان لمؤازرة ذوي الدخول الضعيفة بميزانية تقديرية 33 مليون و500 ألف دينار .
الشيخ سالم كما تذكره الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية من الرموز الوطنية والخيرية الذين لهم بصمات واضحة في بناء دولة الكويت الحديثة والمستقرة، تقلد العديد من المناصب وأبلى في كل موقع تقلده بلاء حسناً، وقدم العديد من أعمال البر والخير في خدمة مجتمعه وأمته العربية والإسلامية.
ولد حفظه الله عام 1926 في فريج الشيوخ بمنطقة الوسط، وكانت هذه الفترة فترة كفاح في تاريخ أهل الكويت، فبعد ميلاده بعامين اثنين 1928 حدثت معركة الرقعي، وفيها استشهد والده الشيخ علي السالم الصباح دفاعا عن وطنه. التحق الشيخ سالم العلي السالم الصباح بالتعليم حيث بدأه في فريج الخميس على يد الملا حمادة ثم الملا مرشد محمد السليمان وبعد ذلك دخل الشيخ سالم العلي المدرسة المباركية وانتقل بعدها إلى المدرسة الأحمدية.
أعماله الخيرية عديدة, فقد تعددت تلك المشاريع في مجالات الخير والبر كالمساجد والمكتبات والمستشفيات والمرافق الاجتماعية والثقافية والتربوية ,أكثر الله من أمثاله وسدد على الخير خطاه وأعاده إلى البلاد سالما معافى,انه ولي ذلك والقادر على كل شيء.








عرف بمعارضته الشديدة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية وغيرها لأنه يراها مصدر الأزمات والشر كله خاصة فيما حدث في فلسطين منذ عام 1948م وما يحصل الآن في العراق ودارفور وجنوب السودان ولبنان, وكان دوما يشير إلى إن هذه السياسة مرتبطة بمبدأ تدويل القضايا العالقة واستخدام ما يعرف بالشرعية الدولية لسلب الدول سيادتها وقراراتها , وفق إستراتيجية تغذية النزاعات والإمساك بخيوط الأزمة وإدارتها بحيث كلما طالت الأزمة كلما كان أمام الولايات المتحدة فرصة كبيرة لتطويعها ,فيقول: " إن الأمريكان يتدخلون في موضوع فلسطين منذ الخمسينات، وهم حريصون على ما يسمونه بـ(عملية السلام بين العرب والصهاينة). هم حريصون على العملية، ولكن ليس على السلام، حريصون على الـ(process) وليس على الـ(peace)، هم حريصون على أن تستمر العملية، وليسوا حريصين على السلام، لأنه في النهاية لا يخدم مصالحهم، بل الذي يخدم مصالحهم أن تظل المنطقة في حالة توتر، ولكن توتر محدود ومحكوم استراتيجيا، حتى لا يتحول إلى حرب كارثية تهدد المصالح الفعلية للأمريكان والأوروبيين في المنطقة".
له نهج ثورة في فلسفته وآراءه فهو يتميز بتحليلاته الثاقبة التي ترى ما لا يراه الآخرون أو يعجزوا عن التعبير عنه خاصة في منطقة الخليج العربي وهذا ما جعله يدفع الثمن كثيرا لآرائه الحادة التي لم تعجب يوما أصحاب القرار ...فبعد أن صدر كتابه "الكويت والرأي الآخر " عام 1978م فصل من عمله بجامعة الكويت وحرم من العمل في المؤسسات الحكومية وتمت مصادرة جوازه لمدة خمس سنوات, لكن هذا لم يثني الدكتور" ابومهند " عن مواصلة مشواره فلمع من بين الكل خاصة بعد أن تفردت القنوات الفضائية باستضافته فأصبح معجبيه أو متابعيه بالملايين من الإخوة العرب الذين تشدهم آراؤه .
ولد بالكويت عام 1945م وحصل على البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1976 م وعلى الدكتوراه من كلية تشرشل في جامعة كامبرج في بريطانيا عام 1972م ,عين رئيسا لقسم العلوم السياسة في جامعة الكويت في الفترة بين عامي 1974-1978 ,حيث ترك الجامعة وانتقل للتدريس في جامعة اكستر في بريطانيا ثم إلى جامعة العين في الإمارات العربية المتحدة (1981 -1984 م) ليتنقل بعدها أستاذا زائرا للعلوم السياسة في العديد من الجامعات الأمريكية المختلفة وجامعتي بكين وموسكو , هو عضو مؤسس في المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأمينا عاما للمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الخليج , صدر له ثمانية عشر كتابا من أهمها " دور الشيعة في تطور العراق السياسي " "والإطار السياسي والعسكري لمجلس التعاون الخليجي " و"الإنزال العسكري الأمريكي في الخليج " .
يحسب على التيار الاسلامي فعلاقته بالحركة الإسلامية عريقة امتدت منذ أيام دراسته في لبنان وان شابها بعض الفتور أحيانا والشد أحيانا أخرى , إلا انه نال دعهما ودعم التيار القومي واليساري أيضا أبان ترشحه لعضوية مجلس الأمة عام 1985م حيث فاز بمقعد عن منطقة مشرف .
ينتمي إلى أسرة نجدية عريضة ومشهورة هي أسرة " النفيسة " وقد هاجر فرع منها بمعية الإمام عبدالرحمن آل سعود وابنه عبدالعزيز إلى الكويت عام 1891م ,جده الثاني هو عبدالله حمد عبدالرحمن النفيسي المولود بالرياض عام 1861 م والمقيم في الكويت سبق وان ولاه الملك عبدالعزيز آل سعود إمارة الجبيل عام 1920 م ثم عينه بعد فتره معتمدا ماليا له في الكويت وقد توارث ها المنصب جده المباشر عبدالعزيز وأبوه فهد .







بعد افتتاح معرضي الأول عام 1992 التقيت الصديق "بوسالم " بعد صلاة العصر في المسجد المجاور لبيتنا وسألني عن لوحة الشيخ عبدالله السالم رحمه الله هل ما زالت لدي فأجبته بأنني أهديتها لراعي المعرض الشيخ علي عبدالله السالم فرد علي بقول : يا حسافة !! فاستفسرت عن سبب حسافته قال لقد التقيت بالنائب محمد الرشيد وحدثته عن اللوحة وكيف إنها سجلت شعارات التجمع الشعبي أو ما يسمى بحركة دواوين الاثنين التي طالبت بعودة الحياة البرلمانية قبيل الغزو العراقي عام 1990 وان النائب الفاضل قد رغب كثيرا باللوحة لما تحمله من دلالات كبيرة, فقلت له لا تتحسف واللوحة ستكون عند العم محمد الرشيد بعد خمسة أيام قال كيف قلت له سأرسم له لوحة مطابقة للأصل إكراما لهذا الرجل , وفعلا وقبل اليوم الخامس كنت قد أتممت اللوحة التي رسمت صورة الشيخ عبدالله السالم الملقب بابو الدستور وخطيت تحتها شعارات دواوين الاثنين التي ما زلت أتذكر أحداثها جيدا حين تجمع نواب مجلس الأمة المنحل عام 1986 في ديوانية النائب جاسم القطامي بالشامية بأوائل شهر ديسمبر 1989 وأعلنوا أنهم يد واحدة للمطالبة بعودة الديمقراطية إلى الكويت ثم تلا ذلك تجمعا جماهيريا في ديوانية النائب مشاري العنجري بمنطقة النزهة وما صادف ذلك الاجتماع من تطويق امني حذر النواب والناس المتجمهرة من مخالفة قانون التجمعات الذي أصبح محل نقاش بين أهل القانون في الصحافة الكويتية حول مخالفة الديوانية الكويتية للقانون فهي _ أي الديوانية_ تشكل إرثا تاريخيا وبرلمانا تقليديا يعتز به أهل الكويت عن سواهم فهو الملتقى الاجتماعي الذي تتحاور به الآراء بود واحترام ,,, لتتطور بعد ذلك الأحداث حين اعتقل النائب احمد الشريعان وأخذه من محافظة الجهراء إلى مخفر الفيحاء وحجزه فيه ليعتصم الناس أمام المخفر ساعات طوال مطالبين إطلاق سراحه , وبالفعل تم إطلاق سراح الرجل ليأخذ بموكب احتفالي كبير من الجماهير التي سارت خلفه بسياراتها حتى أوصلته إلى ديوان بيته ...أحداث كبيرة دلت على تمسك أهل الكويت بالديمقراطية كسبيل لبناء مجتمعهم الصغير تحت شعار كبير" وحدة وحدة وطنية مجلس امة وحرية".

اتصلت بابوسالم وقلت له إنني انتهيت من اللوحة دعنا نذهب إلى النائب محمد الرشيد ,فتواعدنا بعد صلاة العصر وركبنا سوية السيارة وانطلقنا إلى ديوان بيته الكائن بضاحية عبدالله السالم واستقبلنا الرجل بالسلام والترحاب وأخذتنا الأحاديث عن الغزو وأيامه وتطرق العم الرشيد إلى أهمية دستور الكويت الذي كان حبل النجاة لأهل الكويت حكومة وشعبا أبان الغزو الصدامي فهو الذي اقر عبر مواده بشرعية حكم آل الصباح الكرام, وان أهل الكويت مهما كان ظاهر الاختلاف بينهم في أمور دولتهم إلا إنهم لن يرتضوا بغير الصباح شيوخا وحكاما.
كان الحوار معه ممتعا فالرجل له تاريخ في مسيرة الحياة البرلمانية , قمت وقدمت له اللوحة وقبل المغادرة امسك بيدي واخرج ما في جيبه فقلت : لا والله إنها لهدية لك ولتاريخك الكبير الذي أضاء لنا ولأجيال الكويت دروب الديمقراطية في هذا البلد المعطاء فشكرنا وشكرناه على حسن حفاوته واستقباله .






كتب الدكتور مجدى فرفور احد المهتمين بالتراث العربي الاسلامي انه " بعد إخفاق العمليات العسكرية للحروب الصليبية فى نهاية القرن الرابع عشر الميلادى صحا الغرب من أحلامه وعرف مقدار القوة العربية والإسلامية التى استطاعت أن تقهر جيوش أوروبا مجتمعة بعددها وعتادها، وأدرك القادة الغربيون أن الحرب وحدها لا تجدى ما لم تقترن بدراسة تحليلية للحضارة الإسلامية بما فيها من علوم ومعارف ومعتقدات وبدراسة ميدانية وكشوف جغرافية واطلاع على العادات الخاصة بشعوب تلك الحضارة ومواريثها، .. ولما كانت معرفة أى قوم تقتضى الاطلاع على لغتهم وفكرهم فقد نفرت طائفة من الغربيين لتعلم العربية ودراسة آدابها، وحين صعب عليهم قراءة مخطوطاتهم لجأوا إلى طبع ما أهمهم منها، فبدأ بذلك ظهور الطباعة العربية عندهم، ونشر أول كتاب عربى فى مدينة (فانو) الايطالية، تبعه الحواضر الأوروبية ككتاب الادريسى (نزهة المشتاق فى أختراق الآفاق) بروما عام 1592م وكتاب ابن العبرى (تاريخ مختصر الدول) بأكسفورد سنة 1663م... إلى غير ذلك من الكتب الأمهات التى تعد أهم المصادر حتى يومنا هذا، ..وقد أتت عوامل الزمن والإهمال على هاتيك الكتب، فلم يبق من نسخها سوى اليسير الذى تشتت فى زوايا المكتبات فقبع منسيا لا يعرفه غير القلة القليلة من أهل العلم والخبرة ". ومن من الله عليه بسعة المال وحب الكتاب منذ صغره كصاحب مركز جمعة الماجد للتراث والثقافة الذي بادر يوما الى جمع ما يربو على مائة ألف عنوان من المخطوطات الأصلية، والمصورة، إضافة إلى عدد لا بأس به من الوثائق الأصلية التي يزيد عددها على 2600 وثيقة، تم شراؤها بمبالغ باهضة هدف من ذلك الى ترسيخ العلم والمعرفة ونشر الثقافة في المجتمع وتلبية احتياجات طلبة العلم والباحثين الذين يصعب عليهم الحصول على المراجع والنسخ من المخطوطات القديمة بسبب امتناع اغلب الدول عن اعطائها باعتبارها كنزا قوميا اوبسبب تكلفة نسخها الباهضه .
رجل آمن بأهمية العلم والكتاب فقد كرس ثروته وحياته من اجل ذلك فهو من قام مع زملاءه له في مطلع الخمسينات بتأسيس لجنة بمباركة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم , بجمع التبرعات من المحسنين بدبي لتشيد بها مدرستين ثانويتين , واحدة للذكور في بر دبي , واسمها ثانوية عبد الناصر , وأخرى في الديرة للبنات واسمها ثانوية آمنة , كما سعى في المدة نفسها إلى تأسيس المكتبة الوطنية بدبي . وفي عام 1983م , أنشأ المدارس الأهلية الخيرية لتعليم الفقراء من الطلاب الوافدين مجانا بعد ان ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت؟؟

كما انه من القلائل الذين أنصفوا تعليم المرأة وعملها ، فبنى لمن اجتهدن بأمر العلم النافع كلية الدراسات العربية والإسلامية لتتخرج منها آلاف المتعلمات في الخليج الناهض, سعى بعد ذلك بكل جهد ان يكون العلم في خدمة طالبه ولهذا شرع بعد ان أسس مركزه للتراث عام 1991م بإرسال نسخ الكتب والوثائق مجانا او بابخس الاثمان إلى طالبيه وكان دائما القول «يجب أن يذهب الكتاب الى القارئ والباحث وليس العكس».
ولد عام 1930م في منطقة الشندغة , وتعلم القران الكريم واللغة العربية على يد المطوع في الكتاتييب , اصطحبه أبوه منذ صغره إلى رحلات الغوص في فصل الصيف فكانت بالنسبة إليه شاقة إلا انه تعلم منها الصبر والمثابرة , وبعد أن كسدت تجارة اللؤلؤ ، بدأ حياته العملية في التجارة مع خاله "الغرير" ببضاعة من القماش اقرضها إياه خاله بمبلغ 700 روبية فقط, بدأت بدكان وانتهى بفضل الله وتوفيقه له إلى أكثر من 40 شركة تجارية ضخمة في دبي. أنشأ مجموعة من الشركات بجهده الخاص، وشارك في تأسيس عدد من البنوك الوطنية وتقلد مناصب عديدة في الغرف التجارية ومجالس الجامعات العربية , زاوج بمهارة بين العلم والتجارة فكلاهما كما يقول بحاجة إلى صدق النية وإخلاص العمل يدعو بكل مناسبة أن يكون العلم نبراسا للجميع والكتاب بمتناول الفقير قبل الغني وان النهوض للأمة لا يكمن إلا بالعلم والكتاب , أمد الله بعمرالعم جمعه وأكثر من أمثاله .