رحلة إلى المثلث الذهبي _حلقة 2_

Posted 5:01 ص by ali-aljassim in





وصلنا إلى المسجد الجامع أو "جاما مسجد" كما يطلق عليه في الهند ، وقد بناه الإمبراطور شاهجهان سنة 1650م كأكبر مسجد في الهند. وهو ضخم بكل المقاييس يمكنه استيعاب 25 ألف مصل. ومقام من الحجر الرملي والرخام الأبيض. وله ثلاثة مداخل، ومآذنتان يصل ارتفاعهما إلى 40 مترا. ويحتفظ القائمون على هذا المسجد بنسخ من القرآن الكريم كتبت بيد الصحابة الكرام على جلد غزال.، كما يحتفظون بشعرة من لحية المصطفى صلى الله عليه وسلم وأثر قدمه الشريفة ، جلبها القائد المغولي تيمور لنك من مكة المكرمة إلى الهند . ويحيط بهذا المسجد أسواق شعبية للمسلمين انشغلت بالاستعداد ليوم الغد عيد الفطر المبارك حيث لم يثبت بعد هلال العيد عندهم.
جاء ذكر المسجد الجامع في موسوعة التاريخ ,ودوره الكبير في إشعال نار ثورة الهنود ضد المستعمر الانجليزي حين دعا آخر ملوك المسلمين في الهند
بهادر شاه علماء المسلمين إلى اجتماع في المسجد ، ليعلنوا فتوى الجهاد ضد الانجليز ، بعد أن أحكموا سيطرتهم على البلاد ، وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند، الذين كانوا يتقاضون رواتب مالية منهم، وغدوا كأنهم موظفون لديهم، وبلغ من تعنتهم ومدى نفوذهم أنهم كانوا يتحكمون فيمن يدخل "دلهي" ومن يخرج منها... فولد ذلك شعورا بالسخط العام في الهند على وجود الإنجليز الذين ينهبون خيراتها عبر شركة الهند الشرقية ويمارسون سياسة التعسف والتفرقة فأعلن علماء المسلمون الجهاد واندلعت الثورة التي اشترك فيها المسلمون والهندوس معا تحت راية بهادر شاه لكن الثورة فشلت لأنها كانت بحاجة الى تخطيط مسبق، وقيادة واعية تستطيع أن تتحكم في حركة الثورة، ولم يكن بهادر شاه يصلح لهذا الدور لكبر سنه، فاستطاع الإنجليز أن يعيدوا تنظيم أنفسهم، وتجميع قوات هندية من الأمراء الموالين في بعض مناطق الهند، ..، الأمر الذي ساعدهم على مقاومة الثورة والقضاء عليها في دلهي والمناطق الأخرى التي اشتعلت بها في (1274هـ - 1857م).
وبعد فشل الثورة قام الإنجليز بالقبض على بهادر شاه وأهل بيته ، وساقوهم مقيدين في ذلة وهوان، بعد ان أطلقوا على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة منهم، وقطعوا رؤوسهم,قبل محاكمة بهادر شاه في محاكمة صورية في 10 من جمادى الأخر 1274 هـ , 26 من يناير 1858م،حيث صدر حكم الإعدام عليه ثم خفف الحكم إلى النفي إلى مدينة "رانكون" عاصمة بورما، ، وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند، وطويت آخر صفحة من صفحات الحكم الإسلامي في الهند الذي ظل شامخًا أكثر من ثمانية قرون، ثم أقدم الإنجليز على تأكيد مخططاتهم وما كانوا يحاولون ستره بأشكال مختلفة، حين أصدرت الملكة فكتوريا في (23 من ربيع الأول 1275هـ = 1 من نوفمبر 1858م) بنقل حكم الهند من يد شركة الهند الشرقية إلى يد المحكمة البريطانية، وبذلك دخلت الهند رسميًا ضمن مستعمرات التاج البريطاني، حتى الجلاء عنها في سنة (1367هـ = 1947م) ظل بهادر شاه في محبسه حتى وافته المنية في عصر يوم الجمعة الموافق (14 من جمادى الأولى 1279هـ = 7 من نوفمبر 1862م) وقد بلغ من العمر 89 سنة، قضى منها أربع سنوات في منفاه، وكان بهادر شاه شاعرًا مجيداً، فاضت قريحته أسى وحزنًا على ما وصل إليه، وما آلت إليه دولته، فعاش سجينًا وحيدًا، لا يزوره أحد، ومن شعره الذي يصور مأساته قوله:
يا رسول الله ما كانت أمنيتي إلا أن يكون بيتي في المدينة بجوارك
ولكنه أصبح في رنكون وبقيت أمنيات في صدري
يا رسول الله.. كانت أمنيتي أن أمرغ عيني في تراب أعتابك
ولكن هاأنذا أتمرغ في تراب رنكون
وبدلاً من أن أشرب من ماء زمزم، بقيت هنا أشرب الدموع الدامية
فهل تنجدني يا رسول الله. ولم يبق من حياتي إلا عدة أيام


0 comment(s) to... “رحلة إلى المثلث الذهبي _حلقة 2_”

0 التعليقات:

إرسال تعليق