الجدار ... جريدة التاريخ ومنبر الحرية الصامد

Posted 10:15 ص by ali-aljassim in







تذكر المصادر بأن فن 'الغرافيتي' فن قديم مارسه الإنسان منذ العصر الحجري قبل 20000 عاما ، حينما قام برسم ونقش صور مغامراته في صيد الحيوانات على جدران الكهوف الكثيفة ، خاصة في أفريقيا وإسبانيا وفرنسا .
وإن مصطلح ' الغرافيتي ' 'Graffiti ' قد اشتق من المصطلح الإيطالي ' Grafiatto ' أي الخدش على الحيطان قبل استخدام الأصباغ كمادة تعبير . فقد استعملت ' الخدوش ' أو النقوش لاحقا كأداة تعبير وتوثيق للعديد من الأحداث بالرموز في الحضارات القديمة قبل اختراع الفينيقيين أول أبجدية كتابة في العالم .

وفي القرن العشرين خصوصاً وأثناء الحرب العالمية الثانية برز فن الكتابة على الجدران كحالة تعبير في المناطق ذات الواقع الدراماتيكي ، كمقاومة مستعمر أو تبني فكر مغاير للسلطة الحاكمة ، فانتشار الشعارات الشيوعية والنازية المناوئة للرأسمالية كانت أحد أوجه هذا الفن أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية باعتبار أن الجدار أصبح لغة وساحة ثورة ونموذجاً رائعاً للتعبير والتحريض .

إلا أن الأمر تعزز كلغة فنية حين اخترعت مادة الصباغة ' الرش ' أو البويه ، فظهرت الرسوم المعدة على حيطان المدن وأنفاق المترو والقطارات .

وتشير أستـاذة الأدب الألماني فـي جامعـة برلين الدكتورة أولريكي هـوك إلى أن ' الفن الغرافيتي ' فن معاصر انتشر خلال الستينيات والسبعينيات في جدران ومباني الجامعات وقالت إن هذه الظاهرة تطورت حتى شملت العربات والحافلات والقطارات واستخدم فيها مختلف الألوان والدهان لتكون تعبيراً عن مفاهيم سياسية واجتماعية ' .

حيث عزت الدراسات النفسية لسلوك الكتابة على الجدران إلى أسباب عدة أهمها أنها تجسد الرغبة الغريزية للكتابة وتفريغ الشحنات المكبوتة وميول غير سوي يحمل إشارات محددة وغير محددة الاتجاه مثل السب والشتم أو التلهي بالأصباغ كفن على الحائط يمارسه الهواة والمحترفون وعادة ما يكون في الأحياء الفقيرة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية شاع فن ' الغرافيتي ' في الأحياء ذات الغالبية السوداء التى وظفت رسومها ورموزها إشارة إلى العصابات وملكية أو تبعية الشارع لها .

وتؤكد دوائر الأمن والشرطة المتتبعة لهذا الفن بأن دوافع ' الغرافيتيين ' هى ترك البصمات الشخصية هنا وهناك كنوع من التحدي لسلطة الأمن ، وتذكر أنه توجد عصابات من الغرافيتي ' بحيث تملك كل عصابة حيا معينا لترك آثارها الغرافيتية فيه وأن لكل منها أشكالاً معينة من الرسم ووضع البصمات حيث اكتسبت تلك الأشكال منذ أن تحولت عصابات الغرافيتية إلى الاتجار بالمخدرات .

وقد حظي فن ' الغرافيتي ' في السنوات الأخيرة بالسمعة السيئة وخرج عن دوره النضالي أو التعبيري حين شكلت الضغوط الاجتماعية والقانونية تدعو إلى التخلص منه ومعاقبة مرتكبيه باعتباره ظاهرة تخريب وتشويه للممتلكات العامة والخاصة كما يعتبره بعض الناس مصدر إزعاج غير مرغوب فيه وأنه تجاوز لحق الملكية ، حتى دفع الأمر بالبلديات العالمية إلى محاربته وتغليظ العقوبة على فاعليه ، فها هو رئيس بلدية شيكاغو يصدر أوامر بفتح مكتب البلدية على مدار 24 ساعة لتلقي أي مكالمة هاتفية لمن أراد تقديم شكوى على الطلاءات المزعجة وأن مكتبه على استعداد لاستخدام المذيبات لمحو كل أنواع الرسوم الحائطية .

في حين بادر رئيس بلدية نيويورك رودلف جولياني بعمل فريق ضد الرسوم لقمع هذا الفن المزعج ، فأصدر قراراً بمنع بيع بخاخة رش الصبغ إلى الأطفال تحت الثامنة عشرة سنة ,
كما أن دولة سنغافورة أصدرت أحكاماً بالسجن أشهراً وغرامة تتجاوز ( 332ر2 ) دولاراً أمريكياً والضرب بالخيزرانة لمن تسول نفسه الكتابة والرسوم على الجدران العامة والخاصة وفي بريطانيا صادق البرلمان على قانون يجرم تلك الرسوم باعتبارها ليست فناً بل جريمة ...؟!!

وبالرغم من هذا كله إلا أن الفن الغرافيتي ' قد لاقى من بعض البلديات كل احترام وتقدير حين تمت دعوة محبيه إلى المشاركة بالمهرجانات التشكيلية والرسم على جداريات المدن العتيقة والجسور الكبيرة ونظمت لهم المسابقات والجوائز العديدة ، حتى غدا لمهرجاناتهم لونا مميزاً جميلاً وقف له الجميع إعجاباً وتقديرا .

آملا لهذا الوجيز المختصر من سرد لفن الكتابة والرسم على الجدران أن أكون قد سلطت الضوء ولو بالقدر اليسير على فن له آثاره التاريخية وأبعاده الفلسفية حمل إلينا رموزه الكثيرة والمعاني الكبيرة فكان الجدار دوما وأبدا مسرحاً لنا ، ظاهره الكتابة وباطنه الرسالة .


0 comment(s) to... “الجدار ... جريدة التاريخ ومنبر الحرية الصامد”

0 التعليقات:

إرسال تعليق