الضوء والضياء

Posted 2:09 ص by ali-aljassim in





من الضوء ينشأ الظل وكما بيّن أهل التفسير أن الظل هو الفيء وجمعه ظلال وظلول وإظلال ومثاله ظل الشجر ، ووردت كلمة الظل في القرآن الكريم ست مرات أما كلمات ظل وظلها وظلالا وظلاله وظلالهم وظله وظليل وظلّلنا فقد وردت ثماني عشرة مرة . والظل كما يقول صاحب كتاب " غرائب القرآن " أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة وهو أعدل وأفضل الأحوال لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر منها الحس والضوء الكامل يبهر الحس ويؤذي بالتسخين " (1)
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ . وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } {القصص: 71- 73 }
وكما أثبت العلم الحديث ان الظل ينتج فيزيائياً عن سقوط الأشعة على حائل فتنخفض إضاءته على مسقطه عنها على مايحيط به ويتغير الظل طولاً وقصراً . بعكس اتجاه دوران مصدر الإضاءة ويتغير في الطبيعة من يوم لآخر خلال أيام السنة ، والسبب كما يشرح الدكتور كارم غنيم رئيس جمعية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في القاهرة ،" هو دوران الأرض حول محورها مرة كل يوم خلال حركتها الدورانية حول أمها الشمس والتي هي الأخرى تدور حول نفسها في مدار مائل فبتغير حركة الشمس الظاهرية تتغير حركة الأشعة الضوئية الساقطة ويتبع هذا تغير خلال الأشياء ... أي أنها لا تبقى ساكنة أو دائمة على حالها ، الظل لا يسكن إلا بسكون الأرض أي بتوقفها عن الدوران ..، وهذا لو حدث لاختل توازن الأرض حول الشمس ولارتطمت الأرض بسطح الشمس وبهذا تكون نهايتها . إلا أن امتداد الظل وانقباضه يؤديان إلى تغيير درجات التسخين والتبريد وهما ضروريان لإتمام العمليات الجوية من رياح وسحب وأمطار وغيرها وهي عمليات لا تستقيم الحياة الدنيا إلا بها . (2) ومن حركة الظل أثبت المسلمون كروية الأرض واستدلوا على ما جاء في قوله جل وعلا : " أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيرا ً" { الفرقان: الآية 45 } فهدى تفكيرهم إلى أن الظلّ إذا كان فوق جسم ما يتحرك باستمرار أمام نقطة دليل مضيئة ثابتة هي الشمس دلّ على دوران أمره وكروية شكله ؟!!! وقالوا إن الليل الذي نراه في نصف الكرة الأرضية ما هو إلا ظل وجه الأرض المقابل للشمس على نصف الأرض البعيد عن الشمس!!! .
واستفاد المسلمون من حركة الظل أثناء النهار معرفة أوقات الصلاة فهي مرتبطة بارتفاع الشمس وانخفاضها ، فوقت الفجر يدخل مع طلوع الشمس صباحاً الذي يحدث حين تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بمقدار معلوم ووقت الظهر يدخل عندما تكون الشمس ناحية الجنوب أو في أقصى ارتفاعها خلال النهار وهو الوقت الذي يكون ظل الشيء أقصر ما يمكن . أما وقت العصر فيدخل عندما يبلغ ظل الشيء مثله أو مثليه في المذهب الحنفي مضافاً إليه طول ظله عند الظهر .
ووقت المغرب يدخل عند اختفاء الشمس تماما تحت الأفق الغربي وظلّ الشيء يختفي ، في حين وقت العشاء يدخل عند اختفاء الشفق مساء حين تكون الشمس تحت الأفق الغربي بمقدار معلوم .
وتشير المصادر العلمية إلى أنه ليس في كل ظل راحة فهناك ظل فيه عذاب أشار إليه سبحانه وتعالي بقوله : " انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ . لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ " { سورة المرسلات: آية: 30-31} وقال المفسرون إنه في ظل الدخان المقابل للهب فهو لا ظليل ولا يغني من اللهب ، فإن لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان يكون له من شدته وقوته ثلاث شعب وإن الدخان الناتج عن اللهب يعمل ظلالاً ولكنها مملوءة بالسموم والحرور .
والظل أنواع وأجمله ظل الشجرة بما فيها من فروع ورقية تعمل بمثابة مرشح لدرجة الحرارة فيكون ظلها ظليلاً كما أثبتت النظريات العلمية ، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله: " وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً " سورة النساء { آية: 57 } أي ظلاً عميقاً كثيراً غزيراً طيباً وظلّ الشجرة بالنسبة للمسلم أمره عظيم فهو مرتبط بنعيم الجنة التي وعد الحق بها عباده المؤمنين بقوله سبحانه : "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ". { الرعد: 35 }
ويفسر ابن كثير تلك الآية فيذكر صفة الجنة ومعنى قوله تعالى: " أكلها دائم وظلها " أي فيها الفواكه والمطاعم والمشارب لا انقطاع ولا فناء ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها " وقد عدّ القرآن الكريم الظلال من نعيم الجنة في مواضع متعددة منها : " هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ "{ يس : 56 } " " ." إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ "] { المرسلات:41} . " "وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً { الإنسان 14 }.(3)


المراجع والمصادر:
(1) تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ)
(2) غنيم, كارم الظل الممدود له حدود,موسوعة الاعجاز العلمي في القران والسنة
(3) تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ)


0 comment(s) to... “الضوء والضياء”

0 التعليقات:

إرسال تعليق