حرور الأرض كان نتيجة حتمية ...منذ أن اختل توازن المعرفة عند الإنسان الغربي بمثولوجيا العلم . (الوعي الغربي) "التي جُعلت فيه الروح ..في خدمة الطبيعة، فكان ذلك بمثابة التمهيد الطبيعي، والمقدمة الضرورية لظهور التفكير العلمي المنظم، والانتقال إلى مرحلة الفلسفة والمنطق ومبدأ العلم من أجل العلم -أي العلم على إطلاقه، دون اعتباراً للجانب الوظيفي لديه". (1)وهو أمر كان بمثابة "استرداد السياق الفكري الطبيعي في مرحلة النهضة ، عقب فترة العصور الوسطي التي حكمها آباء الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت، حيث ذهبوا إلى ضرورة تأويل تعاليم (الكتاب المقدس) لموافقةلرؤية الغربية في السيادة والسلطة وتنظيم المجتمع، في الوقت الذي كانت فيه تعاليم (الكتاب المقدس) – لا سيما (العهد الجديد) ما هي إلا تعاليم أخلاقية مجردة؛ أي غير مبررة بأحكام سببية إضافة إلى كونها سيرة حياة المسيح". (2)فأصبح واقع البحث العلمي في اغلبه متجردا من كل معنى التعبد للخالق بجوهر استخلاف الإنسان في الأرض فجنح بغرور العلم الذي أنجزه إلى تجاوز كل معتقد أو شريعة أو منحى أخلاقي يعيده او يرشده إلى جادة الصواب.فنشا في انجلترا " التيار التجريبي ..علي يد فرانسيس بيكون Bacon وثوماس هوبز، وديفيد هيوم Hume، وجون لوك Locke ومجمل ما ذهبوا إليه أن الإنسان أسير لحواسه الطبيعة، وأن الوجود إدراك، وأن اليقين المعرفي مصدره الحس الذي يجعل بدوره هذا اليقين ذا صفة احتمالية. فكلٌ قد يري الحقيقة وفق متغيراته الحسية الذاتية؛ الأمر الذي حدا بمثل "هوبز" الفيلسوف الإنكليزي التجريبي ومن تابعه إلى افتراض دخول الإنسان في صراع مستمر ضد الإنسان الآخر، فلكل عالمه الذي يريد أن يفرضه، لذا فالكل في حرب ضد الكل". (3)وهو ما مهد بعد ذلك ظهور فكرة superman الذي نادى بها المفكر "نيتشه" في بدايات القرن العشرين الذي افترض "أن الحرية لا تتحقق إلا في درجة وجودية أعلى من درجة الإنسان العادي وهي درجة الإنسان المتفوق superman الذي ينبغي -وفق "نيتشة"- أن يمضي فوق أشلاء الآخرين، ففئة الإنسان الأعلى هي فئة السادة الذين يتجاوزون كل القيود والمعتقدات والشرائع والقيم الخيرة، أما فئة العبيد فهم أولئك الذين ما زالوا أسري لقيم المسيحية من تسامح وإخاء وإيثار وفضيلة... وقد عبر "نيتشة" عن هذه التفرقة بين سادة وعبيد بما أسماه بالروح "الديونيزوسية" في مقابل الروح "الأبولونية"، فالروح الأولي هي روح السكر والعربدة وروح الفزع والتوثب والانطلاق والشوق الغامر وروح الاندفاع والتمرد والثورة. أما روح "الأبولونية" فهي روح الوضوح والنور والنصاعة والاتزان ". (4)فكان لهذا الفكر الذي ساد اوربا ومن تبعها على خطاها في امريكا المستعمرة ان تولد الجشع بأبشع صوره حين تفجرت آلة البخار كانجاز بشري شق بها الرجل الأبيض البحار البعيدة والوديان السحيقة والصحاري المقفرة فسار بسرعتها الفائقة مخلفا كما هائلا من الدخان الأسود الذي يخنق الأنفس و يزكم الأنوف ملوثا الأرض الواسعة والسماء البعيدة بقيادة منطلقة دون بصيرة ودون خط رجعة, نحو ظل اليحموم نحو آلة إنتاجه الكبير في مصانعه التي استنزفت موارد الأراضي المستعمرة وغير المستعمرة ليشتعل سعير التنافس نحو خامات الأرض الناضبة إلى صراع قوى الاستكبار والاستعمار شرقا وغربا في حربيين عالميتين لم يفصل بينهما الزمن اليسير كان وباله على البشرية جمعاء أفضت مرة أخرى بعد الحرب إلى "عالم مشطور "بين الشمال والجنوب ، .. ، بين من يملكون ومن لا يملكون شيئا : فالـ 20% الأكثر ثراء على الكوكب يحوزون 83 % من الدخل القومي . والـ 20% الأكثر فقرا يحوزون 1.4%" . (5)جر في عهد السلم إلى " نمو اقتصادي للعالم الغربي كلف العالم ، بسبب سوء التغذية والمجاعة ،ما يعادل ضحايا هيروشيما كل يومين" . (6)قيادة لا ربان لها إلا المال ولا بوصلة لها إلا ارض المستضعفين فكان لخطا توجيه تلك السفينة الذي ارتكب منذ خمس قرون أن أدى:"، إلى ولادة حياة بلا هدف ، وعبادة حقيقة للوسائل تصل اليوم إلى منتهاها" " . (7) "إنه الخواء الذي يهدد نمو الحياة الإنسانية ورقيها بالتوقف . بل يهددها بالنكسة و الانحدار علي الرغم من ضخامة الإنتاج المادي والفتوح العلمية والتقدم الصناعي –ذلك أن الإنسان ذاته لم تراع فطرته ، ولا احتياجاته الحقيقية عند إقامة النظام الحضاري الذي ساد ! " (8)انها المسؤولية التي "لم تستطع التمييز بين الممنوع والمشروع كما بين الدكتور أليكسيس كاريل في كتابه : "الإنسان ذلك المجهول" فأورد" إن مبادئ"الدين العلمي" و "الآداب الصناعية" قد سقطت تحت وطأة غزو الحقيقة "البيولوجية" . فالحياة لا تعطي إلا إجابة واحدة حينما تستأذن في السماح بارتياد "الأرض المحرمة" . . إنها تضعف السائل ! ولهذا فإن الحضارة آخذه في الانهيار ، لأن علوم الجماد قادتنا إلي بلاد ليست لنا . فقبلنا هداياها جميعاً بلا تمييز ولا تبصر ! ولقد أصبح الفرد ضيقاً ، فاجراً ، غبياً غير قادر علي التحكم في نفسه ومؤسساته " (9) "وان التحدي الاكبر كما نادى الرئيس الامريكي ولسون قبل وفاته ان تسترد الحضارة روحانيتها وان يخاف كل فرد فينا الله "(10) المراجع والمصادر :(1)احمد خليل,وائل , مسألة الحرية في الوعي الغربي, مجلة اسلامية المعرفة, عدد: 031 – 032(2) احمد خليل,وائل , مسألة الحرية في الوعي الغربي, مجلة اسلامية المعرفة, عدد: 031 – 032(3) احمد خليل,وائل , مسألة الحرية في الوعي الغربي, مجلة اسلامية المعرفة, عدد: 031 – 032(4) احمد خليل,وائل , مسألة الحرية في الوعي الغربي, مجلة اسلامية المعرفة, عدد: 031 – 032(5) جارودي,روجيه ,كيف نصنع المستقبل , دار الشروق ,طيعة ثالثة 2002,ص112(6) جارودي,روجيه ,كيف نصنع المستقبل , دار الشروق ,طيعة ثالثة 2002,ص17 (7) جارودي,روجيه ,كيف نصنع المستقبل , دار الشروق ,طيعة ثالثة 2002,ص21 (8) قطب , سيد , المستقبل لهذا الدين , دار الشروق طبعة السابعة عشر 2006ص54(9) كاريل , د. الكسيس "الانسان ذلك المجهول " , مكتبة المعرف بيروت ,ترجمة شفيق اسعد , ص322(10)
0 comment(s) to... “حرور المعرفة”
0 التعليقات:
إرسال تعليق