جاء في قول الحق تبارك وتعالى :" ألم تر إلى ربك كيف مد الظل، ولو شآء لجعله ساكنا، ثم جعلنا الشمس عليه دليلا، ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا، وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا" (الفرقان: 45- 47). قال ابن الجوزي في تفسير قوله: { ألم تَرَ إِلى ربِّك } أي: إِلى فِعْل ربِّك. وقال الزجاج: معناه ألم تعلم، فهو من رؤية القلب، ويجوز أن يكون من رؤية العين؛ فالمعنى: ألم تر إِلى الظِّلِّ كيف مَدَّه ربُّك؟ والظِّلُّ من وقت طلوع الفجر إِلى وقت طلوع الشمس { ولو شاء لجعله ساكناً } أي: ثابتاً دائماً لا يزول { ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً } فالشمس دليل على الظل، فلولا الشمس ما عُرف أنه شيء، كما أنه لولا النُّور ما عُرفت الظُّلمة، فكل الأشياء تُعرف بأضدادها. (1)
" فالناظر إلى الجسم الملون وقت الظل كأنه لا يشاهد شيئاً سوى الجسم وسوى اللون، ونقول الظل ليس أمراً ثالثاً، ولا يعرف به إلا إذا طلعت الشمس ووقع ضوؤها على الجسم زال ذلك الظل فلولا الشمس ووقوع ضوئها على الأجرام لما عرف أن للظل وجوداً" (2)
" ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا" "القبض في اللغة ضد البسط , والانقباض ضد الانبساط , و(قبض) الشيء أخذه , يقال (قبض) الشيء (قبضا) و(قبض) الشيء (تقبيضا) , إي جمعه وزواه , ويقال: (قبض) فلان , أي مات , فهو (مقبوض) على سبيل الكفاية , أما (يسر): بمعني سهل , و(اليسر) ضد العسر , و(ياسره) أي ساهله , يقال: (تيسر) و(استيسر) , أي: تسهل. (3)
وفي أمر قبض الظل قولان أحدهما:" عند طلوع الشمس يُقبض الظِّل وتُجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخَه شيئاً فشيئاً.والثاني: عند غروب الشمس تُقبض أجزاء الظِّل بعد غروبها، ويخلّف كل جزء منه جزءاً من الظلام. (4)
وقيل: المعنى: ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء { قَبْضاً يَسِيراً } ومعنى { إِلَيْنَا }: أن مرجعه إليه سبحانه كما أن حدوثه منه قبضاً يسيراً أي: على تدريج قليلاً قليلاً بقدر ارتفاع الشمس،. (5)
فكانت لحركة الظل بين المد والقبض اليسير آية من آيات خلق الرحمن بقدرته اللطيفة " التي يغفل البشر عن تتبع آثارها في الكون وهي تعمل دائبة لا يدركها الكلال".(6) , فالظل كما يرى صاحب الظلال :" هو ما تلقيه الأجرام من الظلمة الخفيفة حين تحجب أشعة الشمس في النهار. وهو يتحرك مع حركة الأرض في مواجهة الشمس، فتتغير أوضاعه وامتداداته وأشكاله؛ والشمس تدل عليه بضوئها وحرارتها، وتميز مساحته وامتداده وارتداده. ومتابعة خطوات الظل في مده وانقباضه يشيع في النفس نداوة وراحة كما يثير فيها يقظة لطيفة شفيفة، وهي تتتبع صنع البارئ اللطيف القدير.. وإن مشهد الظلال والشمس مائلة للمغيب، وهي تطول وتطول، وتمتد وتمتد. ثم في لحظة. لحظة واحدة ينظر الإنسان فلا يجدها جميعاً. لقد اختفى قرص الشمس وتوارت معه الظلال. أين تراها ذهبت؟ لقد قبضتها اليد الخفية التي مدتها. لقد انطوت كلها في الظل الغامر الطامي. ظل الليل والظلام!" (7)
ويقول ابن عربي في تأويل آية { ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظل }:" اعلم أن ماهيات الأشياء وحقائق الأعيان هي ظل الحق وصفة عالمية الوجود المطلق، فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز كتم العدم إلى فضاء الوجود أي الإضافي { ولو شاء لجعله ساكناً } أي: ثابتاً في العدم الذي هو خزانة وجوده، أي: أمّ الكتاب واللوح المحفوظ الثابث وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته لا العدم الصرف بمعنى اللاشيء فإنه لا يقبل الوجود أصلاً، وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصلاً في الظاهر، والإيجاد والإعدام ليس إلا إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم" . (8)
المصادر والمراجع :
(1) تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
(2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
(3) النجار,د.زغلول, جريدة الاهرام ,16/5/2005
(4) تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
(5) الوزيري,د.يحيى , إعجاز القرآن الكريم في وصف حركة الظلال, المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة , الكويت- نوفمبر 2006م
(6) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ)
(7) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ)
(8) تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ)
" فالناظر إلى الجسم الملون وقت الظل كأنه لا يشاهد شيئاً سوى الجسم وسوى اللون، ونقول الظل ليس أمراً ثالثاً، ولا يعرف به إلا إذا طلعت الشمس ووقع ضوؤها على الجسم زال ذلك الظل فلولا الشمس ووقوع ضوئها على الأجرام لما عرف أن للظل وجوداً" (2)
" ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا" "القبض في اللغة ضد البسط , والانقباض ضد الانبساط , و(قبض) الشيء أخذه , يقال (قبض) الشيء (قبضا) و(قبض) الشيء (تقبيضا) , إي جمعه وزواه , ويقال: (قبض) فلان , أي مات , فهو (مقبوض) على سبيل الكفاية , أما (يسر): بمعني سهل , و(اليسر) ضد العسر , و(ياسره) أي ساهله , يقال: (تيسر) و(استيسر) , أي: تسهل. (3)
وفي أمر قبض الظل قولان أحدهما:" عند طلوع الشمس يُقبض الظِّل وتُجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخَه شيئاً فشيئاً.والثاني: عند غروب الشمس تُقبض أجزاء الظِّل بعد غروبها، ويخلّف كل جزء منه جزءاً من الظلام. (4)
وقيل: المعنى: ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء { قَبْضاً يَسِيراً } ومعنى { إِلَيْنَا }: أن مرجعه إليه سبحانه كما أن حدوثه منه قبضاً يسيراً أي: على تدريج قليلاً قليلاً بقدر ارتفاع الشمس،. (5)
فكانت لحركة الظل بين المد والقبض اليسير آية من آيات خلق الرحمن بقدرته اللطيفة " التي يغفل البشر عن تتبع آثارها في الكون وهي تعمل دائبة لا يدركها الكلال".(6) , فالظل كما يرى صاحب الظلال :" هو ما تلقيه الأجرام من الظلمة الخفيفة حين تحجب أشعة الشمس في النهار. وهو يتحرك مع حركة الأرض في مواجهة الشمس، فتتغير أوضاعه وامتداداته وأشكاله؛ والشمس تدل عليه بضوئها وحرارتها، وتميز مساحته وامتداده وارتداده. ومتابعة خطوات الظل في مده وانقباضه يشيع في النفس نداوة وراحة كما يثير فيها يقظة لطيفة شفيفة، وهي تتتبع صنع البارئ اللطيف القدير.. وإن مشهد الظلال والشمس مائلة للمغيب، وهي تطول وتطول، وتمتد وتمتد. ثم في لحظة. لحظة واحدة ينظر الإنسان فلا يجدها جميعاً. لقد اختفى قرص الشمس وتوارت معه الظلال. أين تراها ذهبت؟ لقد قبضتها اليد الخفية التي مدتها. لقد انطوت كلها في الظل الغامر الطامي. ظل الليل والظلام!" (7)
ويقول ابن عربي في تأويل آية { ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظل }:" اعلم أن ماهيات الأشياء وحقائق الأعيان هي ظل الحق وصفة عالمية الوجود المطلق، فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز كتم العدم إلى فضاء الوجود أي الإضافي { ولو شاء لجعله ساكناً } أي: ثابتاً في العدم الذي هو خزانة وجوده، أي: أمّ الكتاب واللوح المحفوظ الثابث وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته لا العدم الصرف بمعنى اللاشيء فإنه لا يقبل الوجود أصلاً، وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصلاً في الظاهر، والإيجاد والإعدام ليس إلا إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم" . (8)
المصادر والمراجع :
(1) تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
(2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
(3) النجار,د.زغلول, جريدة الاهرام ,16/5/2005
(4) تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
(5) الوزيري,د.يحيى , إعجاز القرآن الكريم في وصف حركة الظلال, المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة , الكويت- نوفمبر 2006م
(6) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ)
(7) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ)
(8) تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ)
0 comment(s) to... “الظل الساكن والممدود”
0 التعليقات:
إرسال تعليق