الظل يسجد لله عزوجل كما يفسر أهل العلم قوله تعالى : " أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدّاً لله وهم داخرون " (آية سورة النحل : 48 ) فقالوا : "ما من جسم قائم شجر أو جبل أو غير ذلك " يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل " إلا ويسجد لله عز وجل ..ويقول الضحاك : يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل يعني بالغدّو والآصال تسجد الظلال غدوة إلى أن يفيء الظل ثم تسجد لله إلى الليل، وقيل ظل كل شيء سجوده وإن سجود ظل المؤمن طوعاً وسجود ظل الكافر كرهاً..وقال أحد الصالحين : إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل وهو سجود ظلال كل شيء ما في السموات وما في الأرض من دابة ". (1)
ويقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير: "{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } لما كانت الرؤية هنا بمعنى النظر وصلت بإلى، لأن المراد به الاعتبار والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية حتى يكون معها نظر إلى الشيء وتأمل لأحواله، وقوله: { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْء } قال أهل المعاني: أراد من شيء له ظل من جبل وشجر وبناء وجسم قائم، ولفظ الآية يشعر بهذا القيد، لأن قوله: { مِن شَيْء يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } يدل على أن ذلك الشيء كثيف يقع له ظل على الأرض. وقوله: { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ } إخبار عن قوله: { شَيْء } وليس بوصف له، ويتفيأ يتفعل من الفيء يقال: فاء الظل يفيء فيئاً إذا رجع وعاد بعد ما نسخه ضياء الشمس، وأصل الفيء الرجوع، ومنه فيء المولي وذكرنا ذلك في قوله تعالى:{ فَإِن فاؤا فإن ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }...قال الأزهري: تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعدما انصرفت عنه الشمس والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله الشمس كمال قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق.(2)
وقد خص الحق تبارك وتعالى الظل " لأنه مشهود ذلك فيه، ولو حاول صاحبه عدمه أو ضده، لم يستطع، بخلاف الأفعال الاختيارية، فإن الجبر فيها غير محسوس، فظهر سر الإشارة للظلال" .(3)
أما قوله: "{ سُجَّدًا لِلَّهِ } ففيه احتمالات: الأول: أن يكون المراد من السجود الاستسلام والانقياد يقال: سجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب، وسجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل ... ، وتلك الإظلال لا تقع في هذا العالم إلا على وفق تدبير الله تعالى وتقديره، فنشاهد أن الشمس إذا طلعت وقعت الأجسام الكثيفة أظلال ممتدة في الجانب الغربي من الأرض، ثم كلما ازدادت الشمس طلوعاً وارتفاعاً، ازدادت تلك الأظلال تقلصاً وانتقاصاً إلى الجانب الشرقي إلى أن تصل الشمس إلى وسط الفلك، فإذا انحدرت إلى الجانب الغربي ابتدأت الأظلال بالوقوع في الجانب الشرقي، وكلما ازدادت الشمس انحداراً ازدادت الأظلال تمدداً وتزايداً في الجانب الشرقي. وكما نشاهد هذه الحالة في اليوم الواحد، فكذلك نشاهد أحوال الأظلال مختلفة في التيامن والتياسر في طول السنة، بسبب اختلاف أحوال الشمس في الحركة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، فلما شاهدنا أحوال هذه الأظلال مختلفة بسبب الاختلافات اليومية الواقعة في شرق الأرض وغربها، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة في يمين الفلك ويساره، ورأينا أنها واقعة على وجه مخصوص وترتيب معين، علمنا أنها منقادة لقدرة الله خاضعة لتقديره وتدبيره، فكانت السجدة عبارة عن هذه الحالة.فلما كانت الأظلال تشبه بشكلها شكل الساجدين أطلق الله عليها هذا اللفظ، وكان الحسن يقول: أما ظلك فسجد لربك، وأما أنت فلا تسجد له بئسما صنعت، وقال مجاهد: ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي، وقيل: ظل كل شيء يسجد لله سواء كان ذلك ساجداً أم لا.أما قوله: { سُجَّدًا } حال من الظلال وقوله: { وَهُمْ دٰخِرُونَ } أي صاغرون، يقال: دخر يدخر دخوراً، أي صغر يصغر صغاراً، وهو الذي يفعل ما تأمره شاء أم أبى، وذلك لأن هذه الأشياء منقادة لقدرة الله تعالى وتدبيره وقوله: { وَهُمْ دٰخِرُونَ } حال أيضاً من الظلال فإن قيل: الظلال ليست من العقلاء فكيف جاز جمعها بالواو والنون؟قلنا: لأنه تعالى لما وصفهم بالطاعة والدخور أشبهوا العقلاء ".(4)
والظلال كما اثبت العلم مرتبطة بالدوران المغزلي لجميع الكواكب والأجرام حول نواة مجرتها كحركة عبادة طواف المؤمن في مكة عند البيت الحرام.." فالطواف، سنة كونية وتعبير فيزيائي عن السجود لخالق الكون، فالكل في فلك يسبحون ويسجدون، لأن كل الأشياء منقادة لقدرة الله ،..: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض، والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس " [الحج: 18] ". (5)
ان مشهد الظلال كما جاء بالسياق القرآني " أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدّاً لله وهم داخرون " (آية سورة النحل : 48 ) "يعبر عن خضوع الأشياء لنواميس الله بالسجود ـ وهو أقصى مظاهر الخضوع ـ ويوجه إلى حركة الظلال المتفيئة ـ أي الراجعة بعد امتداد ـ وهي حركة لطيفة خفيفة ذات دبيب في المشاعر وئيد عميق. ويرسم المخلوقات داخرة أي خاضعة خاشعة طائعة. ويضم إليها ما في السماوات وما في الأرض من دابة. ويضيف إلى الحشد الكوني.. الملائكة فإذا مشهد عجيب من الأشياء والظلال والدواب. ومعهم الملائكة. في مقام خشوع وخضوع وعبادة وسجود. لا يستكبرون عن عبادة الله ولا يخالفون عن أمره. والمنكرون المستكبرون من بني الإنسان وحدهم شواذ في هذا المقام العجيب".(6)
المراجع والمصادر:
(1) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
(3) تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) (4) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
(5) محمد حسب النبي , منصور كروية الأرض ودورانها حول نفسها في ضوء القرآن الكريم ,موفع موسوعة الاعجاز العلمي في القران والسنة
(6) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ) مصنف و مدقق
ويقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير: "{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } لما كانت الرؤية هنا بمعنى النظر وصلت بإلى، لأن المراد به الاعتبار والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية حتى يكون معها نظر إلى الشيء وتأمل لأحواله، وقوله: { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْء } قال أهل المعاني: أراد من شيء له ظل من جبل وشجر وبناء وجسم قائم، ولفظ الآية يشعر بهذا القيد، لأن قوله: { مِن شَيْء يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } يدل على أن ذلك الشيء كثيف يقع له ظل على الأرض. وقوله: { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَـٰلُهُ } إخبار عن قوله: { شَيْء } وليس بوصف له، ويتفيأ يتفعل من الفيء يقال: فاء الظل يفيء فيئاً إذا رجع وعاد بعد ما نسخه ضياء الشمس، وأصل الفيء الرجوع، ومنه فيء المولي وذكرنا ذلك في قوله تعالى:{ فَإِن فاؤا فإن ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }...قال الأزهري: تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعدما انصرفت عنه الشمس والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله الشمس كمال قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق.(2)
وقد خص الحق تبارك وتعالى الظل " لأنه مشهود ذلك فيه، ولو حاول صاحبه عدمه أو ضده، لم يستطع، بخلاف الأفعال الاختيارية، فإن الجبر فيها غير محسوس، فظهر سر الإشارة للظلال" .(3)
أما قوله: "{ سُجَّدًا لِلَّهِ } ففيه احتمالات: الأول: أن يكون المراد من السجود الاستسلام والانقياد يقال: سجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب، وسجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل ... ، وتلك الإظلال لا تقع في هذا العالم إلا على وفق تدبير الله تعالى وتقديره، فنشاهد أن الشمس إذا طلعت وقعت الأجسام الكثيفة أظلال ممتدة في الجانب الغربي من الأرض، ثم كلما ازدادت الشمس طلوعاً وارتفاعاً، ازدادت تلك الأظلال تقلصاً وانتقاصاً إلى الجانب الشرقي إلى أن تصل الشمس إلى وسط الفلك، فإذا انحدرت إلى الجانب الغربي ابتدأت الأظلال بالوقوع في الجانب الشرقي، وكلما ازدادت الشمس انحداراً ازدادت الأظلال تمدداً وتزايداً في الجانب الشرقي. وكما نشاهد هذه الحالة في اليوم الواحد، فكذلك نشاهد أحوال الأظلال مختلفة في التيامن والتياسر في طول السنة، بسبب اختلاف أحوال الشمس في الحركة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، فلما شاهدنا أحوال هذه الأظلال مختلفة بسبب الاختلافات اليومية الواقعة في شرق الأرض وغربها، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة في يمين الفلك ويساره، ورأينا أنها واقعة على وجه مخصوص وترتيب معين، علمنا أنها منقادة لقدرة الله خاضعة لتقديره وتدبيره، فكانت السجدة عبارة عن هذه الحالة.فلما كانت الأظلال تشبه بشكلها شكل الساجدين أطلق الله عليها هذا اللفظ، وكان الحسن يقول: أما ظلك فسجد لربك، وأما أنت فلا تسجد له بئسما صنعت، وقال مجاهد: ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي، وقيل: ظل كل شيء يسجد لله سواء كان ذلك ساجداً أم لا.أما قوله: { سُجَّدًا } حال من الظلال وقوله: { وَهُمْ دٰخِرُونَ } أي صاغرون، يقال: دخر يدخر دخوراً، أي صغر يصغر صغاراً، وهو الذي يفعل ما تأمره شاء أم أبى، وذلك لأن هذه الأشياء منقادة لقدرة الله تعالى وتدبيره وقوله: { وَهُمْ دٰخِرُونَ } حال أيضاً من الظلال فإن قيل: الظلال ليست من العقلاء فكيف جاز جمعها بالواو والنون؟قلنا: لأنه تعالى لما وصفهم بالطاعة والدخور أشبهوا العقلاء ".(4)
والظلال كما اثبت العلم مرتبطة بالدوران المغزلي لجميع الكواكب والأجرام حول نواة مجرتها كحركة عبادة طواف المؤمن في مكة عند البيت الحرام.." فالطواف، سنة كونية وتعبير فيزيائي عن السجود لخالق الكون، فالكل في فلك يسبحون ويسجدون، لأن كل الأشياء منقادة لقدرة الله ،..: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض، والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس " [الحج: 18] ". (5)
ان مشهد الظلال كما جاء بالسياق القرآني " أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدّاً لله وهم داخرون " (آية سورة النحل : 48 ) "يعبر عن خضوع الأشياء لنواميس الله بالسجود ـ وهو أقصى مظاهر الخضوع ـ ويوجه إلى حركة الظلال المتفيئة ـ أي الراجعة بعد امتداد ـ وهي حركة لطيفة خفيفة ذات دبيب في المشاعر وئيد عميق. ويرسم المخلوقات داخرة أي خاضعة خاشعة طائعة. ويضم إليها ما في السماوات وما في الأرض من دابة. ويضيف إلى الحشد الكوني.. الملائكة فإذا مشهد عجيب من الأشياء والظلال والدواب. ومعهم الملائكة. في مقام خشوع وخضوع وعبادة وسجود. لا يستكبرون عن عبادة الله ولا يخالفون عن أمره. والمنكرون المستكبرون من بني الإنسان وحدهم شواذ في هذا المقام العجيب".(6)
المراجع والمصادر:
(1) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
(3) تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) (4) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
(5) محمد حسب النبي , منصور كروية الأرض ودورانها حول نفسها في ضوء القرآن الكريم ,موفع موسوعة الاعجاز العلمي في القران والسنة
(6) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ) مصنف و مدقق
0 comment(s) to... “سجود الظل”
0 التعليقات:
إرسال تعليق