تونس الخضراء _الحلقة الاولى_

Posted 11:25 م by ali-aljassim in





قررت السفر إلى تونس الخضراء فقلد استهوتني صور عمارتها العتيقة في منطقة سيدي بوسعيد تلك الأزقة الضيقة والبيوت البيضاء الجميلة والأبواب الملونة والمشربيات الصغيرة الزرقاء, وكان الذهاب لأمر استكمال بحث "الظل والحرور" على امتداد المنطقة العربية بدءا من الكويت ثم القاهرة وتونس دافعا آخر للسفر في شهر سبتمبر 2006, فتم الوصول إليها من مطار القاهرة وكان الوقت ليلا متأخرا فقدمت " النزل " وهو ما يطلق على الفندق فبت الليل استعدادا لجولة الصباح التي بدأت بزيارة مدينة قرطاج القديمة التي تأسست عام 814 قبل الميلاد على يد الملكة" عليسة " كما أورد دليل الآثار التونسي أسطورتها, فعليسة بعد أن خاصمت أخاها على الملك غادرت موطنها الأصلي بلبنان حيث أرست سفينتها على ساحل إفريقية و نزلت الأميرة ففاوضت حاكم البلاد البربري لمنحها أرضا تبني عليها مدينتها غير أن الملك أبى أن يمنحها أكثر من مساحة جلد ثور فقبلت عليسة ذلك أمام دهشة مرافقيها،إلا أنها كانت تضمر خطة ذكية ستمكنها من بلوغ غايتها وتأسيس واحدة من أشهر المدن عبر التاريخ, مدينة قرطاج....قامت عليسة بقص جلد الثور إلى أشرطة دقيقة طويلة أحاطت بها الهضبة التي تعرف حتى الآن بهضبة (بيرصا) وهي تعني بلغة السكان الأصليين (جلد ثور) و كانت تلك نقطة الانطلاق لبناء حضارة متطورة قائمة على الملاحة والتجارة بين شرق البحر الأبيض المتوسط وغربه...
وفي سنة
753 ق.م برز كيان جديد في شبه الجزيرة الإيطالية ودخلت روما حلبة الصراع منافسة قرطاج، مما أدى إلى نشوب سلسلة من الحروب (سنة 264 ق.م) سجلها التاريخ تحت اسم الحروب البونيقية ولعل أشهرها حملة حنبعل الذي قام بعبور سلسلتي البيريني والألب بفيله (218 ق.م202 ق.م) انتهت هذه الحروب البونيقية بهزيمة القرطاجيين وخراب عاصمتهم وقام الرومانيون بإنشاء "أفريكا" أول مقاطعة رومانية بشمال إفريقيا وذلك سنة 146 ق.م وكان سقوط قرطاج في أيدي الرومان في أواسط القرن الثاني قبل الميلاد بداية للهيمنة الرومانية التي امتدت 700 سنة. وازدهر أثناءها العمران والزراعة حتى غدت تونس تعرف "بمطمورة روما". وخلال القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد تقلصت الهيمنة الرومانية تاركة مكانها للفندال والبيزنطيين.
انتهينا من آثار قرطاج التاريخية وصعدنا مسرحها الروماني الذي بات الآن يشكل علامة بارزة في المهرجانات الغنائية العربية لننتقل إلى منطقة سيدي بوسعيد القريبة والتي رعتها الدولة التونسية خير رعاية بقوانين صارمة حافظت على معالمها فأمرت أصحاب البيوت الجميلة بألوان عانقت بياض الغيوم الناصعة ولامست زرقة أمواج البحر التي تطل عليه من أعالي منحدرها الصخري , تمثل مكانا سياحيا رائعا يقصده سواح العالم , خاصة التي تقلهم السفن الكبيرة من أوروبا, فتراهم يتزاحمون معك أزقتها الضيقة ويحتسون الشاي بالمقاهي المطلة على خليج تونس وجبل بوقرنين ,ويبتاعون التحف والهدايا من المتاجر الصغيرة التي لم تختلف ألوانها عن ألوان البيوت القديمة ,منطقة سيدي بوسعيد تذكرها المصادر بأنها قرية صغيرة يعود تأسيسها الى القرون الوسطى، يقطنها حوالي 5000 شخص شيدت حول قبة شيخ صوفي يدعى " أبو عيد البيجي "أوائل القرن الثالث عشرالميلادي، وهو الشخص الذي سميت عليه القرية. إلا أن الأساطير في المنطقة تقول إن هذا الشيخ الصوفي لم يكن سوى ملك فرنسا لويس التاسع الذي اختلق قصة وفاته عقب حصار تونس واعتنق الإسلام وآثر أن يعيش بقية حياته في هذه القرية الهادئة فأصبحت الأسطورة وجمال القرية الساحر مصدرا لإلهام أجيال من الكتاب المشاهير والفنانين، ويؤكد أهلها للزائر أن عددا لا يحصى من الكتاب والفنانين جاب حواريها وأزقتها الضيقة، بمن في ذلك بول كلي وغوستاف فلوبيرت وأندريه جيد وسيرفانت.
تجولت بها ماشيا تحت زخات المطر المنهمرة التي بعثت في نشوة غائبة إلا أنني التفت إلى السائق محمد قلت له: هذا يوم نحسي؟؟ فتعجب من قولي وأنا من ترسم على وجهه علامات الفرح والسعادة وبادرته :أنا أريد الشمس لأقوم بالتقاط الصور والجو كما ترى غائم شديد السواد فابتسم قائلا: أنت لا تعرف جو البحر المتوسط فهو متقلب كمياه ساعة "هكا وساعة هكا ", وفعلا ما أن انتهيت من جولتي بسيدي بوسعيد وارتشفت الشاي بالبندق في المقهى الصغيره حتى شرقت الشمس وزاحت الغيوم وكأن شيئا لم يكن فجمال رحلتي لن يكتمل إلا برسم صور الظل والحرور في مدينة سيدي بوسعيد الجميلة.


0 comment(s) to... “تونس الخضراء _الحلقة الاولى_”

0 التعليقات:

إرسال تعليق