لقد قرع أهل الإيمان ومن اهتدى بنور الحكمة شرقا وغربا ناقوس الخطر القادم ووقفوا بكل طاقاتهم داعين الإنسان المعاصر أن يدرك واقعه ويعود إلى فطرته والخير الذي يسكنه ونور الشريعة التي أمر بها الله جل جلاله: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ{ { الجاثية: 18{ ,لان أمر العلم النافع الذي يتجرد من الأهواء والجشع وزخرف الدنيا الفاني هو السبيل والعمل الصالح لمن أراد أن يسلكه كما سلكه أنبياء الله ورسله في مهمتهم الكبرى في تصحيح مسار الخطأ "ولرد الناس إلي ربوبية الله وحده ، وإلي منهج الله وحده .. و إخراج الناس من عبادة العباد إلي عبادة الله دون سواه . وإبطال الألوهيات و الربوبيات الزائفة " (1) } وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله { {النساء 64}., " فنوح عليه السلام بعثه الله في قومة سنينا ليصرف أمر ما كانوا في فيه من غي وعمي.... بعدما تحسس الانحراف بكل أبعاده ( الاجتماعية ، و السياسية ، و الاقتصادية ، و الأخلاقية) حيث كان الخط البياني لمسيرتهم يتجه نحو الموت الجماعي " . (2) }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{ } هود:25-29 {
حوار من تدبر أمره أدرك طبيعة " القيادة السياسية و الاجتماعية ، .. ، فهي لم تكن قائمة على أساس الكفاءة ، وإنما على أساس الأموال و الأتباع ، الأمر الذي قسم المجتمع إلى طبقتين : الأولى : طبقة المترفين الحاكمين ، و الأخرى : طبقة المعدمين " (3) , "هم يسمون الفقراء من الناس " أراذل ".. كما ينظر الكبراء دائماً إلى الآخرين الذين لم يؤتوا المال والسلطان! وأولئك هم أتباع الرسل السابقون غالباً؛ لأنهم بفطرتهم أقرب إلى الاستجابة للدعوة التي تحرر الناس من العبودية للكبراء، وتصل القلوب بإله واحد قاهر عال على الأعلياء ولأن فطرتهم لم يفسدها البطر والترف, ولم تعوقها المصالح عن الاستجابة؛ ولأنهم لا يخافون من العقيدة في الله أن تضيع عليهم مكانة مسروقة لغفلة الجماهير واستعبادها للخرافات الوثنية في شتى صورها, وأول صور الوثنية الدينونة والعبودية والطاعة والأتباع للأشخاص الزائلة بدلاً من الاتجاه بهذا كله لله وحده دون شريك, فرسالات التوحيد هي حركات التحرير الحقيقية للبشر في كل طور وفي كل أرض". (4)
"ولان العذاب لا يأتي من الفراغ ، بل هو سنة إلهية و قانون تكويني له أسبابه و مبرراته التي يستطيع الإنسان بإزالتها تلافيه و النجاة منه " (5) إن صدق إيمانه وأصلح عمله, فالسفينة التي أمر الله بها نوح بصنعها هو العمل الصالح الذي أنقذ أهل الإيمان من الطوفان الكبير** , } وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ { } هود:36-41 {
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير البيان ,معلقا على هذا السياق : أي أن هناك ارتباطا بين صلاح المجتمع الإنساني و فساده و بين الأوضاع العامة الكونية المربوطة بالحياة الإنسانية ،و طيب عيشه و نكده ,و إلى ذلك أشار الفخر الرازي مستدلا بقول الله : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } { الروم:41 } و بقوله تعالى : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } { الشورى :30}. (6)
" إن نوحا لم ينظر للأوضاع نظرة لا أبالية ... و لم ينتظر من الأقدار أن تغير أحوال الناس ، و لم يلق بالمسؤولية على غيره ، بل كان متيقنا بأن الواقع رهن إرادة الإنسان ذاته ، ولا يتغير سلبا أو إيجابا إلا تبعا لتغييره ما بنفسه ، فبدأ بتغيير ذاته و انطلق منها لإصلاح المجتمع ، متحملا من أجل ذلك كامل المسؤولية ، ومتحديا كل العقبات و الضغوط مع إصرار على إبلاغ الرسالة ، و الاستقامة في طريق ذاته. ( 7) "وأن المسيرة تكون إلى الأمام بعد هدم الواقع إذا لم تكن البدائل مطروحة بوضوح كاف ؟ و لقد جسد نوح عليه السلام هذه القيمة في حركته فأكد : إن تحكيم القانون الإلهي ( بعبادة الله ) و الذي لا يتم إلا ( بالتقوى ) و تطبيق تفاصيل النظام الاجتماعي من جهة ، و الطاعة للقيادة الرسالية من جهة أخرى هو البديل القويم للوضع الفاسد ، ومن ثم السير بالمجتمع نحو الحياة الأفضل "{ أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } { نوح :3} ( 8)
المراجع والمصادر :
(1) قطب , سيد , المستقبل لهذا الدين , دار الشروق طبعة السابعة عشر 2006ص20
(2) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(3) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(4) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ)
(5) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(6) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(7) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(8) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
** هامش : تؤكد دراسات من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة إن البحر الأسود كان عبارة عن بحيرة في العصر الجليدي وإن درجة حرارة الأرض بدأت بالارتفاع قبل حوالي 12,000 عاما وبدأت الكتل الجليدية بالذوبان وإنه قبل مايقارب 7000 عاما حدث امتداد لمياه البحر المتوسط وحدث طوفان باتجاه تركيا وكانت قوة الطوفان معادلة لما يقارب 200 مرة قوة شلالات نياجارا.
حوار من تدبر أمره أدرك طبيعة " القيادة السياسية و الاجتماعية ، .. ، فهي لم تكن قائمة على أساس الكفاءة ، وإنما على أساس الأموال و الأتباع ، الأمر الذي قسم المجتمع إلى طبقتين : الأولى : طبقة المترفين الحاكمين ، و الأخرى : طبقة المعدمين " (3) , "هم يسمون الفقراء من الناس " أراذل ".. كما ينظر الكبراء دائماً إلى الآخرين الذين لم يؤتوا المال والسلطان! وأولئك هم أتباع الرسل السابقون غالباً؛ لأنهم بفطرتهم أقرب إلى الاستجابة للدعوة التي تحرر الناس من العبودية للكبراء، وتصل القلوب بإله واحد قاهر عال على الأعلياء ولأن فطرتهم لم يفسدها البطر والترف, ولم تعوقها المصالح عن الاستجابة؛ ولأنهم لا يخافون من العقيدة في الله أن تضيع عليهم مكانة مسروقة لغفلة الجماهير واستعبادها للخرافات الوثنية في شتى صورها, وأول صور الوثنية الدينونة والعبودية والطاعة والأتباع للأشخاص الزائلة بدلاً من الاتجاه بهذا كله لله وحده دون شريك, فرسالات التوحيد هي حركات التحرير الحقيقية للبشر في كل طور وفي كل أرض". (4)
"ولان العذاب لا يأتي من الفراغ ، بل هو سنة إلهية و قانون تكويني له أسبابه و مبرراته التي يستطيع الإنسان بإزالتها تلافيه و النجاة منه " (5) إن صدق إيمانه وأصلح عمله, فالسفينة التي أمر الله بها نوح بصنعها هو العمل الصالح الذي أنقذ أهل الإيمان من الطوفان الكبير** , } وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ { } هود:36-41 {
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير البيان ,معلقا على هذا السياق : أي أن هناك ارتباطا بين صلاح المجتمع الإنساني و فساده و بين الأوضاع العامة الكونية المربوطة بالحياة الإنسانية ،و طيب عيشه و نكده ,و إلى ذلك أشار الفخر الرازي مستدلا بقول الله : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } { الروم:41 } و بقوله تعالى : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } { الشورى :30}. (6)
" إن نوحا لم ينظر للأوضاع نظرة لا أبالية ... و لم ينتظر من الأقدار أن تغير أحوال الناس ، و لم يلق بالمسؤولية على غيره ، بل كان متيقنا بأن الواقع رهن إرادة الإنسان ذاته ، ولا يتغير سلبا أو إيجابا إلا تبعا لتغييره ما بنفسه ، فبدأ بتغيير ذاته و انطلق منها لإصلاح المجتمع ، متحملا من أجل ذلك كامل المسؤولية ، ومتحديا كل العقبات و الضغوط مع إصرار على إبلاغ الرسالة ، و الاستقامة في طريق ذاته. ( 7) "وأن المسيرة تكون إلى الأمام بعد هدم الواقع إذا لم تكن البدائل مطروحة بوضوح كاف ؟ و لقد جسد نوح عليه السلام هذه القيمة في حركته فأكد : إن تحكيم القانون الإلهي ( بعبادة الله ) و الذي لا يتم إلا ( بالتقوى ) و تطبيق تفاصيل النظام الاجتماعي من جهة ، و الطاعة للقيادة الرسالية من جهة أخرى هو البديل القويم للوضع الفاسد ، ومن ثم السير بالمجتمع نحو الحياة الأفضل "{ أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } { نوح :3} ( 8)
المراجع والمصادر :
(1) قطب , سيد , المستقبل لهذا الدين , دار الشروق طبعة السابعة عشر 2006ص20
(2) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(3) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(4) تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ)
(5) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(6) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(7) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
(8) تقي المدرسي ,السيد محمد ,تفسير من هدى القران, الجزء السادس عشر,سورة نوح
** هامش : تؤكد دراسات من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة إن البحر الأسود كان عبارة عن بحيرة في العصر الجليدي وإن درجة حرارة الأرض بدأت بالارتفاع قبل حوالي 12,000 عاما وبدأت الكتل الجليدية بالذوبان وإنه قبل مايقارب 7000 عاما حدث امتداد لمياه البحر المتوسط وحدث طوفان باتجاه تركيا وكانت قوة الطوفان معادلة لما يقارب 200 مرة قوة شلالات نياجارا.
0 comment(s) to... “رسل الإيمان ومواجهة الانحراف”
0 التعليقات:
إرسال تعليق