يقول الحق في كتابه الكريم : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ * وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ( النحل :80-81)
وفي تفسير معنى الآيات : "{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ } أيها الناس، { مِنْ بُـيُوتِكُمْ } التـي هي من الـحجر والـمدر، { سَكَناً } تسكنون أيام مقامكم فـي دوركم وبلادكم ". (1) ,وكلمة سكنا: "مأخوذة من السكون، والسكون ضد الحركة، فالبيت نُسمّيه سكناً؛ لأن الإنسان يلجأ إليه ليرتاح فيه من حركة الحياة خارج البيت" (2) ,
" { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ جُلُودِ الأَنْعامِ بُـيُوتاً } وهي البـيوت من الأنطاع والفساطيط من الشعر والصوف والوبر. { تَسْتَـخِفُّوَنها }: أي تستـخفون حملها ونقلها، { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } من بلادكم وأمصاركم لأسفـاركم، { وَيَوْمَ إقامَتِكُمْ } فـي بلادكم وأمصاركم. { وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبـارِها وأشْعارِها أثاثاً }.(3)
"{ أثاثاً } تستعملونه في بيوتكم { ومتاعاً } تتمتعون به { إلى حين } محدود، قيل وفيه إشارة إلى أنها فانية داثرة فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة. (4) { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } " أي ومن نعمة الله علـيكم أيها الناس أن جعل لكم مـما خـلق من الأشجار وغيرها ظلالاً تستظلّون بها من شدّة الـحرّ، وهي جمع ظلّ.(5)
{ وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } وهي جمع كنّ: وهو ما يستكنّ به من المطر، وهي هنا الغيران في الجبال، جعلها الله سبحانه عدّة للخلق يأوون إليها ويتحصنون بها، ويعتزلون عن الخلق فيها { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } جمع سربال، وهي: القمصان والثياب من الصوف والقطن والكتان ,ومعنى { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } تدفع عنكم ضرر الحرّ، ..{ وَسَرٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } وهي الدروع والجواشن، يتقون بها الطعن والضرب والرمي. والمعنى: أنها تقيهم البأس الذي يصل من بعضهم إلى بعض في الحرب..(6) , يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :" لقد استوعبتْ الآيات جميع الحالات التي يمكن أن يكون عليها البشر، فقد نثر الحق سبحانه نعمه على الناس، بحيث يأخذ كل واحد منهم ما يناسبه من نعم الله,فمَنْ لا يملك بيتاً يأويه، وليس عنده من الأنعام ما يتخذ من جلودها بيتاً، فقد جعل الله له الأشجار يستظل بها من حَرِّ الشمس، وجعل له كهوف الجبال تُكِنّه وتأويه,وأن الآية ذكرتْ الظل الذي يقينا حَرَّ الشمس، ولم تذكر مثلاً البرد؛ ذلك لأن القرآن الكريم نزل بجزيرة العرب وهي بلاد حارة، وحاجتها إلى الظل أكثر من حاجتها إلى الدِّفء".(7)
وقد قدّر الله لأمة الإسلام أن تقطن غالبيتها مناطق بين خط 10 ، 35 درجة شمال خط الاستواء ممتدة من الصين حتى الأندلس مرورا بالشام وشمال أفريقيا وبذلك تميزت عن غيرها بمناخها الحار الجاف وارتفاع كبير بدرجات الحرارة وكميات الإشعاع الشمسي وهو ما أطلق عليه أقاليم الصحارى الجافة ، الأمر الذي دفع الإنسان في تلك المنطقة إلى تبني إستراتيجية التصميم المناخي محققا هدفين أساسيين أوجزهما العالم الإسلامي ابن الأزرق في مخطوطه : " إن ما تجب مراعاته في أوضاع المدن أصلان مهمان ، دفع المضار وجلب المنافع ". (8) , حيث نجح المسلمون في عمارة الأرض عند إقامة مدنهم ومبانيهم في المناطق الصحراوية في الاعتماد على الموارد والطاقات الطبيعية المتجددة والمتوافرة في البيئة كطاقة الشمس والرياح في تحقيق أهداف رئيسية": (9)
أ - الحماية من الإشعاع الشمسي عن طريق توفير الظلال بأساليب تخطيطية ومعمارية متعددة .
ب - العمل على تحريك الهواء من خلال التخطيط التقليدي للمدينة التي يعتمد على مظهرين أساسيين هما الشوارع الضيقة والأفنية المكشوفة ( داخل المباني ) .
ج - تنظيم درجة الحرارة ليلا ونهارا وتحقيقه من خلال استعمال مواد بناء معينة .
د - تحقيق التهوية الطبيعية باستخدام عناصر معمارية معينة كملاقف الهواء مثلا .
هـ - تعديل نسبة الرطوبة في الجو بزيادتها في المناطق الجافة باستخدام عنصر الماء .
و - الاعتماد على الإضاءة الطبيعية في المباني من خلال استعمال بعض العناصر المعمارية مع معالجة ظاهرة الإبهار Glare أو ما يسمى بالوهج الضوئي من خلال استعمال المشربيات والفتحات الضيقة .
و أن تخطيط المـدن الإسلامية خاصة في المناطق الحـارة يجري وفق مستويين : احدهمـا منصب على التخطيـط العام للمدينـة ويشمـل أسوارها وأبوابها وشوارعها الرئيسيـة التي كانت تتجـه إلى قلبها حيث المسجد الجامع ودار الإمارة أما المستوى الآخـر والـذي يشمل الطرق الفرعية والمساكن المتكاثرة... حيث تقــارب المبانـي في تكتل وتراص في صفـوف متلاصقة لمنع تعرض واجهاتها بلا داع لعوامل الطقس القاسية .... وإن اختلاف ارتفاع المباني المتجـاورة يؤدي إلى تظليل أجزاء كبيرة من سقوف هذه المباني وحمايتها من أشعة الشمس ... وإن ضيـق الشوارع وفّـر مساحة الظل على مدار اليوم لتتسع دائرة الفراغات الهوائية داخـل المباني عن طريق الأحواش والأفنية الداخلية التي كانت توفر التهوية والإضاءة الطبيعية . (10)
" ومدن الظل " كما أسماها المهندس السعودي علي عثمان الناجم هي التي جعلت في السابق قبل ثورة النفط مبدأ التظليل أساسا في تخطيط وتصميم المدن العتيقة .. ، فكان للظل لما يشكله من راحة ووقاية وتخفيف الأعباء المالية في الصرف على الطاقة ... كما أنه يزيد الألفة والمودة بين فئات أفراد المجتمع في تقارب المساكن الأمر الذي شجع على المشي والتلاقي وقضاء الحاجات وأداء العبادات وأن له أهمية جمالية " فالسحر في البيئة التقليدية يكمن في عناصر الجمال فيها ... وهو التباين بين المساحات الشمسية والمظللة " . (11).
المراجع والمصادر :
(1) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(2) تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(3) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(4) تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ)
(5) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(6) تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)
(7) تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(8) وزيري,د.يحى, , العمارة الإسلامية والبيئة , سلسلة عالم المعرفة 304,الكويت, 2004 ,ص89
(9) وزيري,د.يحى. العمارة الإسلامية والبيئة , سلسلة عالم المعرفة 304,الكويت,2004 ,ص 91-92
(10) وزيري,د.يحى. العمارة الإسلامية والبيئة , سلسلة عالم المعرفة 304,الكويت,2004 ,ص93-97
(11) عثمان الناجم, علي, أهمية الظل للمدن الخليجية, منتدى شبكة العمارة للجميع , 2003 www.arch4all.net
وفي تفسير معنى الآيات : "{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ } أيها الناس، { مِنْ بُـيُوتِكُمْ } التـي هي من الـحجر والـمدر، { سَكَناً } تسكنون أيام مقامكم فـي دوركم وبلادكم ". (1) ,وكلمة سكنا: "مأخوذة من السكون، والسكون ضد الحركة، فالبيت نُسمّيه سكناً؛ لأن الإنسان يلجأ إليه ليرتاح فيه من حركة الحياة خارج البيت" (2) ,
" { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ جُلُودِ الأَنْعامِ بُـيُوتاً } وهي البـيوت من الأنطاع والفساطيط من الشعر والصوف والوبر. { تَسْتَـخِفُّوَنها }: أي تستـخفون حملها ونقلها، { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } من بلادكم وأمصاركم لأسفـاركم، { وَيَوْمَ إقامَتِكُمْ } فـي بلادكم وأمصاركم. { وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبـارِها وأشْعارِها أثاثاً }.(3)
"{ أثاثاً } تستعملونه في بيوتكم { ومتاعاً } تتمتعون به { إلى حين } محدود، قيل وفيه إشارة إلى أنها فانية داثرة فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة. (4) { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } " أي ومن نعمة الله علـيكم أيها الناس أن جعل لكم مـما خـلق من الأشجار وغيرها ظلالاً تستظلّون بها من شدّة الـحرّ، وهي جمع ظلّ.(5)
{ وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } وهي جمع كنّ: وهو ما يستكنّ به من المطر، وهي هنا الغيران في الجبال، جعلها الله سبحانه عدّة للخلق يأوون إليها ويتحصنون بها، ويعتزلون عن الخلق فيها { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } جمع سربال، وهي: القمصان والثياب من الصوف والقطن والكتان ,ومعنى { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } تدفع عنكم ضرر الحرّ، ..{ وَسَرٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } وهي الدروع والجواشن، يتقون بها الطعن والضرب والرمي. والمعنى: أنها تقيهم البأس الذي يصل من بعضهم إلى بعض في الحرب..(6) , يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :" لقد استوعبتْ الآيات جميع الحالات التي يمكن أن يكون عليها البشر، فقد نثر الحق سبحانه نعمه على الناس، بحيث يأخذ كل واحد منهم ما يناسبه من نعم الله,فمَنْ لا يملك بيتاً يأويه، وليس عنده من الأنعام ما يتخذ من جلودها بيتاً، فقد جعل الله له الأشجار يستظل بها من حَرِّ الشمس، وجعل له كهوف الجبال تُكِنّه وتأويه,وأن الآية ذكرتْ الظل الذي يقينا حَرَّ الشمس، ولم تذكر مثلاً البرد؛ ذلك لأن القرآن الكريم نزل بجزيرة العرب وهي بلاد حارة، وحاجتها إلى الظل أكثر من حاجتها إلى الدِّفء".(7)
وقد قدّر الله لأمة الإسلام أن تقطن غالبيتها مناطق بين خط 10 ، 35 درجة شمال خط الاستواء ممتدة من الصين حتى الأندلس مرورا بالشام وشمال أفريقيا وبذلك تميزت عن غيرها بمناخها الحار الجاف وارتفاع كبير بدرجات الحرارة وكميات الإشعاع الشمسي وهو ما أطلق عليه أقاليم الصحارى الجافة ، الأمر الذي دفع الإنسان في تلك المنطقة إلى تبني إستراتيجية التصميم المناخي محققا هدفين أساسيين أوجزهما العالم الإسلامي ابن الأزرق في مخطوطه : " إن ما تجب مراعاته في أوضاع المدن أصلان مهمان ، دفع المضار وجلب المنافع ". (8) , حيث نجح المسلمون في عمارة الأرض عند إقامة مدنهم ومبانيهم في المناطق الصحراوية في الاعتماد على الموارد والطاقات الطبيعية المتجددة والمتوافرة في البيئة كطاقة الشمس والرياح في تحقيق أهداف رئيسية": (9)
أ - الحماية من الإشعاع الشمسي عن طريق توفير الظلال بأساليب تخطيطية ومعمارية متعددة .
ب - العمل على تحريك الهواء من خلال التخطيط التقليدي للمدينة التي يعتمد على مظهرين أساسيين هما الشوارع الضيقة والأفنية المكشوفة ( داخل المباني ) .
ج - تنظيم درجة الحرارة ليلا ونهارا وتحقيقه من خلال استعمال مواد بناء معينة .
د - تحقيق التهوية الطبيعية باستخدام عناصر معمارية معينة كملاقف الهواء مثلا .
هـ - تعديل نسبة الرطوبة في الجو بزيادتها في المناطق الجافة باستخدام عنصر الماء .
و - الاعتماد على الإضاءة الطبيعية في المباني من خلال استعمال بعض العناصر المعمارية مع معالجة ظاهرة الإبهار Glare أو ما يسمى بالوهج الضوئي من خلال استعمال المشربيات والفتحات الضيقة .
و أن تخطيط المـدن الإسلامية خاصة في المناطق الحـارة يجري وفق مستويين : احدهمـا منصب على التخطيـط العام للمدينـة ويشمـل أسوارها وأبوابها وشوارعها الرئيسيـة التي كانت تتجـه إلى قلبها حيث المسجد الجامع ودار الإمارة أما المستوى الآخـر والـذي يشمل الطرق الفرعية والمساكن المتكاثرة... حيث تقــارب المبانـي في تكتل وتراص في صفـوف متلاصقة لمنع تعرض واجهاتها بلا داع لعوامل الطقس القاسية .... وإن اختلاف ارتفاع المباني المتجـاورة يؤدي إلى تظليل أجزاء كبيرة من سقوف هذه المباني وحمايتها من أشعة الشمس ... وإن ضيـق الشوارع وفّـر مساحة الظل على مدار اليوم لتتسع دائرة الفراغات الهوائية داخـل المباني عن طريق الأحواش والأفنية الداخلية التي كانت توفر التهوية والإضاءة الطبيعية . (10)
" ومدن الظل " كما أسماها المهندس السعودي علي عثمان الناجم هي التي جعلت في السابق قبل ثورة النفط مبدأ التظليل أساسا في تخطيط وتصميم المدن العتيقة .. ، فكان للظل لما يشكله من راحة ووقاية وتخفيف الأعباء المالية في الصرف على الطاقة ... كما أنه يزيد الألفة والمودة بين فئات أفراد المجتمع في تقارب المساكن الأمر الذي شجع على المشي والتلاقي وقضاء الحاجات وأداء العبادات وأن له أهمية جمالية " فالسحر في البيئة التقليدية يكمن في عناصر الجمال فيها ... وهو التباين بين المساحات الشمسية والمظللة " . (11).
المراجع والمصادر :
(1) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(2) تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(3) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(4) تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ)
(5) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
(6) تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)
(7) تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(8) وزيري,د.يحى, , العمارة الإسلامية والبيئة , سلسلة عالم المعرفة 304,الكويت, 2004 ,ص89
(9) وزيري,د.يحى. العمارة الإسلامية والبيئة , سلسلة عالم المعرفة 304,الكويت,2004 ,ص 91-92
(10) وزيري,د.يحى. العمارة الإسلامية والبيئة , سلسلة عالم المعرفة 304,الكويت,2004 ,ص93-97
(11) عثمان الناجم, علي, أهمية الظل للمدن الخليجية, منتدى شبكة العمارة للجميع , 2003 www.arch4all.net
0 comment(s) to... “ظلال السكن”
0 التعليقات:
إرسال تعليق