تشعر حين تتجول بشوارعها وكأنك قد سافرت الى خارج الكويت , فهي في الشتاء قريبة إلى أجواء المدن التونسية بجمال بيوتها البيضاء وأشجارها العالية الخضراء , منذ نشأتها عام 1948 م والناس تقصدها ' للكشتة ' بأيام العطل للترفيه والشواء وممارسة رياضة المشي على دائري ساحة الألعاب الذي زين أخيرا بالبلاط الأحمر والعديد من أنواع الشجر والزهور الجميلة , وكنت من الناس الذين يرتادونها بين فترة وأخرى بقصد الترفيه والزيارة , فقد كان لي صديق عزيز يسكن بها قبل أن يتغمده الله بواسع رحمته بعد أسره من قبل قوات الاحتلال العراقي عام 1990 وكنت قبل المجيء إليه بأيام الصيف اللاهب اتصل به سائلا : ' ها خوي صلاح كيف الجو عندك؟؟ ' فيجيبني بصوته الذي فاق سنه :' الجو حلو يا بوحسين الناس عندنا من بعد المغرب تتمشى..حياك وييب اللحم للشوي ' ,اذهب اليه وامضي اليوم كله برفقته في مدينة ارتبط إنشاءها بظهور النفط في دولة الكويت ،حيث وضعت حكومة الكويت بالتعاون مع شركات النفط الأجنبية خطة لإنشائها عام 1940 كأول مدينة تبنى على النمط الغربي الحديث لتكون الظهير الحضاري لميناء الأحمدي المخصص لتصدير النفط , فجلبت تلك الشركات الأجنبية إلى 'القرية العربية ' Arab Villagكما كانوا يسمونها موظفيها من بلادهم ذات الخضرة والماء والجو البارد اللطيف إلى منطقة صحراوية منقطعة تبعد عن الكويت العاصمة 37 كيلو مترا.., ففكرت تلك الشركات كما يقول مهندس البلدية السابق فريد عبدال الذي ألتقيته يوما في تحقيق صحفي عام 1987م بتخطيط مدينة الأحمدي على مبدأ التظليل ومعايشة المناخ الصحراوي القاسي بما تيسر من مواد بيئية ومحلية, فغرست أولا على محيطها أسوار موزعة من أشجار الأثل تعمل كمصدات للرياح اللاهبة بأشهر الصيف, وخطت ثانيا شوارع داخلية ضيقة تستظل طوال وقت النهار من أشجار الصفصاف والكلتوس العالية ثم صممت بعد ذلك بيوت من طابق واحد تحيطه أشجار النخل الجميلة فينعم ساكنيها طوال الوقت بالظل الذي يعمل على انخفاض الحرارة بأشهر الصيف ,كما إنهم راعوا في تصميم المساكن ملامح عمارتهم الأجنبية بحيث تذكرهم ببلدانهم ولكن بشكل كبير احترموا فيه البيئة الصحراوية فجاء تصميم البيت الداخلي وحجم غرفه وعلاقة المطبخ بالغرف الأخرى وشكل النوافذ واستخدام المدفأة ( المدخنة ) في الحائط كلها أمور تناسب أيضا طريقة معيشة الموظفين الأجانب , وراعوا بان يكون عناصر بناء مدينة الأحمدي التي اشتق اسمها الرسمي من اسم مؤسسها أمير الكويت السابق الشيخ احمد الجابر الصباح رحمه الله, معيشية أكثر مما تكون فيها مفاخرة فشوارعها منها ليست مبالغة بالاتساع ومشجرة بأشجار ليست مكلفة واستخدموا المواد المحلية مثل الطابوق الطيني ( الآجر ) الذي كان يجلب من العراق أو من مدينة عبادان الايرانية فهم بذلك احترموا المادة المحلية وعرفوا قيمتها وخصائصها فهي باردة وعازلة للحرارة بالصيف , كما إنهم استخدموا نفس الألوان التي كنا نستخدمها حتى يظهروا لنا إنهم ليسوا غرباء عنا فمدينة الأحمدي يوجد بها وحدة تجانس في العمران وهذا ما كنا عليه في السابق في بيوتنا الطينية .
0 comment(s) to... “الأحمدي ...مدينة الظل الدائم”
0 التعليقات:
إرسال تعليق